الشعب السوداني ليس عدواً لشعب جنوب السودان.. ما عدا هؤلاء (1-2)

الشعب السوداني ليس عدواً لشعب جنوب السودان.. ما عدا هؤلاء (1-2)

أتيم قرنق ديكويك

شعوب السودان الجنوبي وشعوب السودان الشمالي ارتبطت بعلاقات تاريخية قديمة طويلة  متداخلة ومعقدة شابها توتر وعنف وقهر وقسوة غير مبرر من طرف السودان، ولذا كانت علاقات نادرة المنافع المتبادلة لاختلال توازن القوة بعد دخول الحكم المصري التركي عام ١٨٢١ لصالح السودان الشمالي.

هذه العلائق قديمة ومتجذرة في أعماق الزمن؛ منذ ما قبل الدويلات المسيحية السودانية ومروراً بالممالك السودانية الإسلامية والحكم الاستعبادي التركي المصري وصولاً لعام 2011. خلال هذه المدة والحقب الزمنية المتعاقبة مارس شعوب السودان – بالتضامن مع مستعمريهم – هيمنة عسكرية و ثقافية لدرجة الاستلاب الثقافي مما جعل الكثير من بعض الناس من شعوب السودان الجنوبي يأخذون الأمور بظواهرها كمسلمات وبديهيات وعلي ضوئها يصدرون أحكامهم (من منظور مستلبيهم) على الأحداث والتفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحدث بين هذه الشعوب المتجاورة.

ومن بين التصورات المخادعة والمضللة لهذا الاستلاب الثقافي توهّم بعض الناس ان هناك (شعب واحد في بلدين) وهو رأي لا يستقيم مع الحقائق التاريخية ويستهجنه كثير من المدركين بالتاريخ من شعب السودان الجنوبي؛ ويصفون مثل هذا الرأي بأنه غوغائي في أسلوبه وغير صادق في مقصده وإنما يعكس عمق الاستلاب الثقافي لدي دعاة هذه المقولة؛  كما إنه وتعميقاً في التضليل يسمون حروبات التحرر والانعتاق الوطني للسودان الجنوبي بـ (الحروبات الأهلية).

ولو استفسرتَ من أحد المستلبين عما كيف يعرف أهداف الوجود العربي في جنوب السودان لما يقارب القرنين والذي انهيناها عام 2011، فلن تجد لديه الشجاعة ليقول بأن غاية الوجود العربي كانت (احتلالًا عربياً قهرياً) و(استعماراً عربياً استغلالياً) لأن مثل هذه الكلمات من التابوهات المصاحبة للاستلاب التي لا تخطر علي بال المستلب ويجد الدعم ممن استلبوه ثقافياً ويستهجنون افكار المقاومين للاستلاب والذين يطلق عليهم صفات ونعوت مذلة وهي وسيلة من وسائل تأصيل الاستلاب مثل اطلاق صفات الحقد والغبن وكراهية  العرب والإسلام وهو سلاح نفسي لتعميق عقدة الدونية.

نحن لا نجد صعوبة في تحديد نوعية العلاقة التي كانت تربط السودانيين الشماليين مع الحكم التركي المصري فالكل متفق بأن تلك السلطة كانت (إستعمارية) على الرغم مما يربط مصر والسودان الشمالي من دين مشترك، ولغة مشتركة وتاريخ مشترك، وماضي ومشاعر مشترك ومصير واحد مشترك.

والدولة المهدية هي دولة وطنية لدي السودانيين الشماليين في حين لم تكن هنالك فرق بين تلك الدولة وسابقتها لدي إنسان السودان الجنوبي. لأن فترة وجودهما كانت تتصف بتجارة الرق واصطياد إنسان السودان الجنوبي للبيع، مثله مثل أية سلعة سوقية.

وكما لا نجد صعوبة في تحديد وتسمية العلاقة التاريخية التي سادت بين السودانيين الشماليين والحكم الثنائي المصري البريطاني علي أنها كانت علاقة المستعمَر مع المستعمِر.

لكن الاستلاب العربي لدي بعض مواطني السودان الجنوبي يتجلى في العجز في تحديد علاقة التسلط العربي السوداني على أهل السودان الجنوبي خلال فترة الحكم العربي الإسلامي 1956-2011!

من هنا يبدأ ويتجلى الاستلاب الفكري في العجز والاستحياء المنغمس في عقول الناس بحيث لا يجدون صفة واضحة لتلك العلاقة الملطخة بدماء أهل السودان الجنوبي.

منذ 1955 وحتي 2005 فرضت حكومات السودان العربي الإسلامي حروبات مدمرة علي السودان الجنوبي، قتل خلالها ما يزيد علي مليونين من سكان السودان الجنوبي، وعلى الرغم من هذا الدمار تمكن السودان الجنوبي من الاستقلال عام 2011. بقي السودان العربي الاسلامي ولم تدر في أذهان الساسة ومحتكري السلطة في السودان احتمال وصول الحرب من تخوم السودان النائية واشتعالها يوماً ما في مقر صنع الحرب و إدارة الدمار في الخرطوم وود مدني؛ إلا أن الدهر  قَلَب لهم ظَهر المِجَنّ؛ وقامت حرب طاحنة رغم أنها لم تصل ربع ما حدث في السودان الجنوبي من عنف وقتل واغتصاب النساء والتشريد والنهب والدمار. هذه الحرب الخرطومية عملت صدمة نفسية وفكرية وحتى عقائدية لدى مصاصي دماء الانسان السوداني؛ مما جعلهم يبحثون عن مصدر لعنتهم هذه؛ أهي من الشيطان الرجيم؟ أم من أشرار غرب أفريقيا؟ أم يا تري من أهل السودان الجنوبي (الحاقدين السكرانين الكفرة)؟

اليوم، بعض السودانيين يهاجمون بشراسة أهل السودان الجنوبي على حرب ليست لهم يد أو جريرة ارتكبوها. هؤلاء لم يحددوا ما اشعلت حربهم ولذا مرةً يتهمون عرب الشتات في غرب أفريقيا، وتارةً دولة الأمارات والآن دولة السودان الجنوبي. ومن خلال صراخهم وكتاباتهم وتركيزهم على السودان الجنوبي يقومون بإطلاق نعوت وصفات واهانات مشينة وبذيئة وكاذبة على إنسان السودان الجنوبي في حرب ليست لنا منفعة فيها.

ويتساءل الفرد في ذهول عن سبب هذا العواء الفاجر والحقد الجائر والغبن الفائر والغضب الثائر وهذه الحملة الممنهجة ومن يخطط و يقف خلفها؟ و من أجل التوضيح و تحديد الفئات السودانية التي تقف بعض صفوتها خلف هذه الحملة الإعلامية الإجرامية والتي  جعلت السودان الجنوبي عدواً لها، فإنني بالتحليل ومعرفتي اللصيقة بإنسان السودان توصلت لما يلي:

ليس لدى السواد الأعظم من الشعب السوداني أدنى شك في أن شعب جنوب السودان ليس عدواً للسودان رغم التأريخ المليء بالدم والقهر! إلا أن هنالك مجموعات محددة من السودانيين الذين يختلقون احقاداً هي من صناعتهم وافتراءاتهم وهؤلاء الكتاب يتوزعون بين الفئات الاجتماعية السودانية التالية:

١. مؤسسة الجيش السوداني و“الجهادية” الحديثة:

عناصر هذه المؤسسة تحمل حقداً دفيناً في أعماق أُصولها التاريخية، وتعمل بجهد لا يكل علي تقويض دولة السودان الجنوبي. هذه المؤسسة هي الربيبة الشرعية للعقيدة العسكرية للاستعمار البريطاني في السودان 1898-1955؛ والوريثة الاجتماعية لثقافة الجهادية في الدولة المهدية 1885-1898؛ وحاملة دناءة أخلاقيات البازنقر والباشبوزق صائدو العبيد في فترة الحكم المصري التركي 1821-1885. (البازنقر كانت قوة عسكرية تتكون من عبيد وهي جيش تجار الرقيق والباشبوزق كانت قوةً عسكرية قوامها من العبيد أيضا وهي جزء من الجيش الحكومي، وعند قيام الدولة المهدية، أُنشئت من عناصر هاتين القوتين علاوة على عبيد جدد قوة عسكرية عرفت بالجهادية).

ومؤسسة الجيش هي الحاضنة الوفية لموروثات جيوش النهب والسلب في الممالك الاسلامية السودانية ١٥٠٤-١٨٢١. ومؤسسة الجيش هي أكبر عنصر في تخلف السودان، وهي التي دعمت حديثاً  تصنيف مواطني السودان على أساس العرق، اللون، الدين واللغة وذلك من خلال حكمها للسودان ١٩٥٨-١٩٦٤و١٩٦٩-١٩٨٥ و١٩٨٩-٢٠١٩ و ٢٠٢٢ حتي يومنا هذا.

العناصر المثقفة من هذه المؤسسة وميلشياتها هي من بين الذين يهاجمون السودان الجنوبي ويعملون ويساندون كل من يحاول خلق الفضي وعدم الاستقرار في السودان الجنوبي بوسائل العنف والحرب والخراب. مؤسسة الجيش  السوداني اكثر فئة سودانية لا تحمل مبادئ الدين، ولا تؤمن بقيم الإنسانية. وتتسم بالكذب والنفاق والقسوة والكراهية لإنسان السودان الجنوبي. الحروبات التي خاضها هذه المؤسسة في السودان الجنوبي امتدت لما يقارب أربعة عقود، لم يحتفظ خلالها الجيش السوداني بأسير حرب واحد، حتى لو كان جريحاً من مقاتلي أنيانيا، والجيش الشعبي لتحرير السودان.

نواصل ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى