السيناريوهات المحتملة لنهاية كيكل

السيناريوهات المحتملة لنهاية كيكل

مجاهد بشرى

في خضم المشهد السوداني المتشابك، يتضح أن الحرب لم تكن مجرد مواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل كانت لعبة محكمة الإعداد، شارك فيها الجيش والإسلاميون على حدٍ سواء. منذ البداية، كان هناك مخطط مُعد بإتقان، حيث زرع الجيش أبو عاقلة كيكل كعميل مزدوج داخل قوات الدعم السريع، ليكون حصان طروادة الذي يسحبها إلى مستنقع من الفوضى والانتهاكات، ثم يتم إدانتها عالميًا. في المقابل، كان الإسلاميون يعدّون العدة لحربهم الخاصة، محاولين فرض وجودهم من خلال كتائب إرهابية متعددة، أبرزها الخرساء والخضراء والبراء بن مالك، وهي مجموعات أعلنت عنها قياداتهم علنًا، ومهمتها إجهاض أي احتمال لعودة الثورة السودانية عبر تجنيد أوسع شريحة من الشباب الذين يمثلون العمود الفقري لثورة ديسمبر، واستهدافهم بغسل أدمغتهم يعني نجاح الخطة في القضاء على الثورة.

لكن مع تطورات الحرب وانكشاف دور كيكل وعودته إلى الجيش، انقلبت الموازين، وبدأ الإسلاميون يدركون أن الرجل الذي استخدمه الجيش في حربهم القذرة قد يصبح العقبة الأكبر في طريقهم. هنا، بدأت الحرب الحقيقية، ليست بين الجيش والدعم السريع، بل بين الإسلاميين وكيكل الذي لا يفقه شيئاً عن اسباب المواجهة.

الإسلاميون.. لعبة مزدوجة ومخطط دموي

كان البرهان، الطامع في السلطة، يستخدم كيكل كورقة يواجه بها الإسلاميين والحلفاء المرحليين، لكنه لم يكن الوحيد الذي يخطط. فعلى الجبهة الأخرى، كان الإسلاميون يدركون أنهم لا يستطيعون فرض سيطرتهم إلا عبر كتائبهم الإرهابية، وهو ما تطلب خلق غطاء شعبي يبرر وجودهم. لذا، سعوا إلى استقطاب شباب الجزيرة الغاضب و الحانق على الجيش الذي غدر بهم و انسحب في ديسمبر 2023، فوجدوا أنفسهم أمام خيار واحد: إما الانضمام لهم، أو ان يصبحوا مستنفرين دون سلاح.

وقد كانت المفاجأة التي لم تكن في حسبان احد. عندما انسحب الجيش من ولاية الجزيرة في ديسمبر 2023، ترك المدنيين في مواجهة مباشرة مع كيكل الذي انضم إلى الدعم السريع. لكن المفاجأة الأكبر كانت أن 40 ألف مستنفر من الذين تم تجهيزهم للقتال تحت راية الجيش، وجدوا أنفسهم في النهاية في صفوف الإسلاميين، مما منحهم قوة بشرية هائلة للتحضير للمعركة القادمة ضد الجيش نفسه و استغلال حادثة انسحابه كوقود لتجييش الشباب. هذه القوة المتنامية جعلت الإسلاميين أكثر عدائية تجاه كيكل، لأن استمرار تصاعد نفوذه يعني أنهم يفقدون تدريجيًا الغطاء الشعبي الذي سعوا لصنعه بعناية.

لماذا يريد الإسلاميون تصفية كيكل؟

إن عداء الإسلاميين تجاه كيكل ليس مجرد خلاف مرحلي، بل هو مواجهة وجودية. الرجل الذي زرعه الجيش في قوات الدعم السريع بدأ يتحول إلى رمز محلي، ونجح في استقطاب الآلاف من الشباب الذين أراد الإسلاميون تجنيدهم لصالحهم ، بل و اصبح هنالك ثقلا أهليا يقف خلفه ، و بالنسبة لهم، يمثل كيكل الخطر الأكبر على مشروعهم، لأنه يهدد أهم عنصر في خطتهم: إحكام السيطرة على شباب الجزيرة واستخدامهم وقودًا لحربهم المقبلة ضد الجيش.

لقد أدرك الإسلاميون أن بقاء كيكل يعني فشلهم، وأن انهيار مشروعهم أصبح احتمالًا قائمًا، خاصة وأنهم يعلمون جيدًا أن الشعب السوداني يكرههم أكثر من أي جهة أخرى. فبينما قد يختلف الناس حول دعم الجيش أو الدعم السريع، إلا أن الجميع يتفقون على أن الإسلاميين هم الجناة الحقيقيون وراء هذا المشهد الدموي، وهم صناع الفوضى والانهيار. لذلك، فإنهم لا يستطيعون العودة إلى السلطة إلا بالطريقة الوحيدة التي يعرفونها: الدم، والسلاح، والانقلابات.

البرهان وكيكل.. تحالف مؤقت في مواجهة الإسلاميين؟

لكن في هذا الصراع المتشابك، لا يمكن تجاهل موقف البرهان. فالرجل الذي استخدم كيكل سابقًا قد يجد نفسه الآن في مأزق جديد. فهو يعلم أن الإسلاميين يخططون لمرحلة ما بعد الحرب، وأنهم يعتبرونه خائنًا وجب تصفيته في مرحلة ما، كما أشار قادتهم في أكثر من مناسبة. وفي ذات الوقت، يدرك البرهان أن بقاء كيكل يشكل تهديدًا مزدوجًا؛ فهو من ناحية يقوض نفوذ الإسلاميين، و الحركات المسلحة، لكنه من ناحية أخرى قد يصبح عبئًا سياسيًا إذا قرر التحالف مع أي طرف آخر خارج سيطرة الجيش.

ومن الملاحظ أن الحكومة في بورتسودان لم تصدر أي تصريح يعترض على التقارير الدولية التي تورط كيكل في مجازر ولاية الجزيرة، بل تركت الأمر مفتوحًا، وكأنها تنتظر اللحظة المناسبة للتخلص منه، او جعل هذه الجرائم عصاً فوق رأسه. وهذا الصمت الرسمي قد يكون مؤشرًا على أن البرهان لن يتردد في التضحية بكيكل وتجريمه عندما يصبح ذلك ضروريًا للحفاظ على سلطته.

السيناريوهات المحتملة:

  1. اغتيال كيكل: الإسلاميون لن يقبلوا بوجوده، وهو عقبة رئيسية في طريقهم، لذا فإن اغتياله هو السيناريو الأكثر ترجيحًا، خاصة وأن عمليات التصفية الغامضة لقادة الجيش على يد الإسلاميين ليست جديدة في تاريخ السودان.
  2. انفجار المواجهة بين الإسلاميين والجيش: مع وجود عشرات الآلاف من المستنفرين في صفوف كتائب الإسلاميين، فإن المواجهة مع الجيش باتت مسألة وقت لا أكثر. الإسلاميون يسعون للسيطرة الكاملة، ولن يقبلوا بأي قوة تهددهم.
  3. استخدام كيكل ككبش فداء: البرهان قد يقرر التضحية بكيكل سياسيًا وإدانته دوليًا في مرحلة لاحقة، لضمان تقليص الضغوط المحلية و الدولية عليه.
  4. تصفية حسابات بين الجميع: في هذا الصراع، الجميع يبحث عن النجاة، والجميع يدرك أن الخطر الأكبر يأتي من أقرب الحلفاء لا من الأعداء. الجيش، الإسلاميون، الكتائب الإرهابية، المليشيات المختلفة، وحتى كيكل نفسه، جميعهم متورطون في معركة قذرة تُخاض على جثث السودانيين.

الخاتمة: حرب لا تعرف الشرف

لقد بات واضحًا أن ما يحدث في السودان ليس مجرد صراع عسكري، بل حرب نفوذ قذرة، يتم فيها استخدام الدين، والسياسة، والميليشيات، والأكاذيب الإعلامية كسلاح لإبادة الخصوم. إن الخلاف المتصاعد بين الإسلاميين وكيكل ليس مجرد معركة جانبية، بل هو صراع على البقاء، على من يسيطر، ومن يُباد.

وبينما يتصارع هؤلاء القتلة، يظل المواطن السوداني هو الضحية، يُسحق تحت أقدام الطامعين، في حرب لا تعرف الشرف، ولا تعرف الرحمة، ولا تعرف سوى المجازر، والدم، والخيانة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى