تحالف “تأسيس” وإنجاز الكتلة التاريخية

تحالف “تأسيس” وإنجاز الكتلة التاريخية
إيهاب مادبو
مما لاشك فيه أن الحروب الأهلية المتطاولة في السودان قبيل عهد الاستقلال منذ عام 1955م هي أكبر تجليات أزمة الدولة السودانية، ممثلة في “المنهج المعطوب” الذي أُديرت به علاقة المركز بالأقاليم المهمشة جنوبا وغربا وشرقا، إذ ظلت هذه الأقاليم محرومة من التنمية والخدمات حرمانا متلازما مع نظرة استعلاء عرقي وثقافي كامنة في الوعي الجمعي في الشمال والوسط وفي العقلية السياسية للشمال السياسي.
وصاحب ذلك تحجّر في العقل السياسي للنخبة السياسية، التي فشلت في معالجة تلك الاخطاء المتراكمة والتي إديرت بشكل خاطئ سعي للمحافظة علي الإمتيازات التاريخية لتلك النخبة علي حساب مصالح وتطلعات الشعوب السودانية، مما ولّد ذلك “غبناً” إجتماعياً تمظهر في تلك الحروبات الأهلية التي ظلت هي اداة “العنف” للتعبير عن تلك المظالم والغبن الإجتماعي.
فى السودان توجد العديد من الشواهد التاريخية، التي بدأت تبحث عن أهمية الوحدة التوافقية للسودانيين ،وحققت إنجازات تاريخية حينها مثل(الثورة المهدية وجلاء الإستعمار والجبهة المعادية للإستعمار وتحقيق الإستقلال وإتحاد عام جبال النوبة في منتصف السيتينات الذي كان نجح في الإجابة الصحيحة المعاصرة لمواجهة هذا الإنسداد السياسي بما يحقق تطلعات الجماهير.
مثّل إتحاد عام جبال النوبة في تلك الفترة نموزجا تجاوز الأطر “القبلية” الضيقة فضمت عضويته زعامات الإدارات الأهلية لمكونات الإقليم المختلفة بتبايناتهم الإجتماعية مثل الناظر “سعيد حامد اللّكة” ناظر قبيلة الحوازمة “الرواوقة” بجانب الزعيم السياسي قمر حسين رحمة من منطقة تلودي وغيرهم من القيادات التاريخية التي نجحت ولأول مرة في تاريخ المنطقة من إكتساح الدوائر الإنتخابية وهزيمة الحزبين الكبيرين ” الأمة والإتحادي”.
والكتلة التاريخية، مصطلح ثقافي ذو دلالة سياسية، تعرّض له المفكرون بالتحليل والنقد، كما اعتمده المثقفون مخرجًا من الأزمات السياسية التي تعصف بمجتمعاتهم، فهي تستند على “الديمقراطية” البديل السلمي المُجرب تاريخيًا للمسارات العنيفة للتغيير كالانقلابات العسكرية ، وهي كذلك تعني ائتلافا من أجل الديمقراطية بين القوى السياسية التي تنشد التغيير السلمي، وقيام هذه القوى -مجتمعةً- بالعمل على إنجاز هدف محدد هو الانتقال إلى الديمقراطية، مع التزامها بممارسة الديمقراطية داخلها وفيما بينها.
وتحالف “تأسيس” تصدي بشجاعة لهذه اللحظة التاريخية الحرجة من تاريخ البلاد وبحث عن إنجاز هذه الكتلة لتحقيق إرادة شعبوية مشتركة يرتفع أعضاؤها إلى مستوى المسؤولية التي تتطلبها المرحلة، ويتفقون على الأولوية المشتركة والمدخل الإستراتيجي للنهضة وعلى تأجيل التنافس الأيدولوجي إلى مرحلة لاحقة. وبالتالي فإنه نجح في وضع إطار سياسي ديمقراطي يُمكّن كل التيارات من العمل بحرية وشفافية، ومن التنافس من أجل تحقيق البرامج السياسية المختلفة بعد إقامة النظام الديمقراطي.
وبالتالي فأن تحالف السودان التأسيسي مثّل في تكوينه النواة الحقيقية لإنجاز مرحلة الكتلة التاريخية للإجابة علي المسكوت عنه من قضايا الأزمة السودانية التي شكلت لاحقا أجندة ومحددات الصراعات والنزاعات المسلحة في السودان ، وأعاقت بذلك النهوض بالدولة السودانية التي فشلت فيها كل الايدلوجيات في معالجة مسألة الهوية وتداخل الدين في وظيفة الدولة السياسية.