بيع السودان في المزاد العلني: تفاصيل صفقات الجيش القذرة!

بيع السودان في المزاد العلني: تفاصيل صفقات الجيش القذرة!

علي أحمد

ما كشفته صحيفة واشنطن بوست عن إرسال شركة أسلحة تركية شحنات سرية من الطائرات المسيّرة والصواريخ إلى السودان يُعد تورطًا تركياً مباشرًا في تأجيج الحرب والنزاع القائم، كما أنه يمثل قمة جبل الجليد في سلسلة من الفضائح والصفقات السرية التي ظل الجيش يبرمها مع جهات عديدة منذ نشوب الحرب حتى الآن. معظم هذه الصفقات تنتهي بحيازة الجهات الأجنبية على مقدرات البلاد، مثل حقوق التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى، والأراضي، والموانئ، مما يعني تفريطًا كاملًا في سيادة البلاد!

الصفقة الأخيرة التي كشفتها واشنطن بوست، والتي أبرمتها شركة بايكار، أكبر شركة دفاعية تركية، مع الجيش السوداني، بلغت قيمتها 120 مليون دولار، وشملت 8 طائرات بدون طيار من طراز TB2، إلى جانب رؤوس حربية، وقد تم تسليمها بمشاركة فريق متخصص من الشركة في سبتمبر 2024. لكن، ما المقابل الذي حصلت عليه تركيا وشركتها من هذه الصفقة؟ هل هو مبلغ 120 مليون دولار فقط، أم أن هناك ما خُفي وكان أعظم؟.

من المعروف – وهذا معلوم للجميع – أن قيادة الجيش، التي خرجت هي الأخرى من رحم حزب المؤتمر الوطني (الإخوان المسلمين)، تُعد من بين أكبر الكيانات الفاسدة في تاريخ السودان القديم والحديث. ولا يحتاج الأمر إلى دليل، فالمواطن السوداني العادي يعرف ذلك جيدًا. وقد قالت واشنطن بوست إنها حصلت على رسائل نصية، وتسجيلات هاتفية، وصور، ومقاطع فيديو، ووثائق، وسجلات مالية توثّق تفاصيل عمليات تسليم الأسلحة إلى السودان، والتي تم التحقق منها عبر بيانات الهاتف وصور الأقمار الصناعية. وخلال التحقيق المطوّل والمعقد الذي أجرته الصحيفة المرموقة ذات المصداقية العالية، تأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن قادة الجيش السوداني كانوا يدرسون منح الشركات التركية حقوق الوصول إلى مناجم النحاس والذهب والفضة. كما تضمنت الوثائق إشارات إلى إمكانية منح تركيا حقوق تطوير ميناء أبو عُمامة، وهو ميناء استراتيجي على البحر الأحمر ويعد كذلك محل اهتمام روسي.

وما لم تقله الصحيفة هو أن الصفقة تقوم أساسًا على منح تركيا جزيرة سواكن، التي تعتبرها جزءًا من أملاك “الباب العالي” في الأستانة، تمامًا كما تفعل مع مصر السيسي التي تسعى إلى إعادة الخديوية. وبذلك، يكون عبد الفتاح البرهان “وإخوانه” قد أعادوا الحكم التركي-المصري الاستعماري سيئ السمعة!

لقد ظلت قيادة الجيش – ممثلة في الفريق ياسر العطا – تعلن على الملأ أنها مستعدة للدوس على سيادة السودان وكرامته مقابل البقاء في السلطة. فقد صرّح هذا الضابط الموتور أكثر من مرة، في منابر خطابية ولقاءات تلفزيونية، بأن قيادة الجيش مستعدة لبيع ساحل البحر الأحمر بأكمله لأي دولة ترغب في إنشاء قاعدة عسكرية في السودان.

ومن المعروف أيضًا أن هناك تلاعبًا كبيرًا وغير مسبوق في قطاع التعدين، الذهب تحديداً، حيث دخلت جهات أجنبية غير معلومة – يُرجح أنها صينية وروسية – وبدأت في التنقيب عن المعادن النفيسة في شرق وشمال البلاد.

لطالما عرض قادة الجيش السوداني، وعلى رأسهم عبد الفتاح البرهان وياسر العطا، على جهات أجنبية رفدهم بالسلاح مقابل حقوق التنقيب عن الذهب، وتوفير الحماية الأمنية، والسماح بتهريبه، مع توفير الغطاء الأمني لهذه الصفقات القذرة.

ويتحدث قادة الجيش وداعموهم عن مرتزقة يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع، بينما هم أنفسهم غارقون حتى آذانهم في جلب مرتزقة من جميع أنحاء العالم والسماح لهم بالعبث بمقدرات الشعب السوداني. هذا الشعب الذي عجزوا عن حمايته عندما تحصّنوا بمقراتهم في القيادة العامة وسلاح المهندسين وغيرها من معسكرات الجيش، ثم فرّوا وتركوه وحيدًا، قبل أن يتهموه بالجبن والخيانة. بعد انسحاب قوات الدعم السريع من بعض المناطق التي كانت تسيطر عليها في الجزيرة والخرطوم، وجد المدنيون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع خصوم الجيش، فاضطروا إلى التعامل معهم، كما يضطرون اليوم إلى التعامل مع الجيش نفسه والمليشيات الإرهابية والقبلية التابعة له. لكن قيادة الجيش اتهمت الشعب بالخيانة وارتكبت المجازر بحقه، تحت ذريعة تعاونه مع العدو.

ولم تكتفِ قيادة الجيش بضرب الشعب السوداني مرتين، بل تمادت في انتهاكاتها لحقوقه، مستغلة الحرب وما يصاحبها من عواطف جياشة وغياب للعقول، وهو الأمر الذي تغذّيه وسائل التواصل الاجتماعي عبر الغرف الإعلامية التي يديرها الكيزان، سواء بأسماء صريحة أو مستعارة، لتمرير بيعهم لمقدرات وسيادة البلاد وأراضيها لجهات أجنبية عبر صفقات الأسلحة.

وما كشفته واشنطن بوست ليس سوى نقطة من بحر متدفق من العمالة والفساد الكبير وغير المسبوق الذي طبع أداء قيادة الجيش خلال الحرب.

إنهم فاسدون… وإنهم خونة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى