زيارة هايكو للخرطوم.. برلين تطوي صفحة الماضي
تقرير: مريم أبشر
شكلت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الأولى لمسئول أوربى للخرطوم بعد بداية الخطوات الأولى للحكومة المدنية، بداية مرحلة فارقة في علاقات السودان الدولية وخطوة عملية حقيقية لاندماج السودان في المحيط الدولي والإقليمي بعد عزلة تطاولت سنينها خلال الثلاثين عاماً الماضية لحكم الإنقاذ.
زيارة هايكو رغم قصرها، إلا أنها كانت مثمرة، وذات منتوج كبير في توقيتها ومخرجاتها، إذ أن الوزير اجتمع برئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وعقد عدة اجتماعات مهمة مع رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، وبذلك فتحت صفحة جديده في علاقات تجمدت سياسياً، لكنها ظلت تتمسك بالدبلوماسية عبر السنين الماضية رغم تقلب المناخ السياسي.
تعظيم سلام
وزير الخارجية الالماني هايكو ماس أبدى إعجابه الشديد واندهاشه ببسالة وسلمية الشعب السوداني الذي استطاع أن يقتلع نظام الإنقاذ بسلمية، ولم ينجر للعنف، ووصف ما جرى خلال فترة الثورة بالحدث الرائع، وقال إنه يحترم كل الشعب السوداني الذي ناضل من أجل أن يجعل حكومته المدنية واقعاً يعيشه الآن، وأنه جاء للخرطوم ليهنئ الشعب السوداني، وينقل إعجاب بلاده بما حدث في السودان والاستعداد لتقديم الدعم حتى يتجاوز المرحلة الراهنة.
المنصه الدولية
ألمانيا عبر وزير خارجيتها هايكو في المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء الدكتور حمدوك، بعد أن عقد اجتماعاً مهماً معه، أعلنت رسمياً استئناف التعاون التنموي مع السودان وتقديم الدعم له بعد فترة تجميد ومقاطعة شارفت على الثلاثة عقود، بل إن الوزير قال إن بلاده رفعت الدعم من خمسة ملايين يوريو كانت تقدم في الماضى إلى خمسة عشر ملايين يوريو، فضلاً عن تحملها المسئولية الكاملة بحكم عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمنن بجانب مشاركتها في مجموعة أصدقاء السودان في قيادة تحرك داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن وآليات الأممية المختلفة لرفع اسم السودان من القائمة السوداء والعمل على إعادة دمجه في المجتمع الدولي بجانب تقديم الدعم والعون والسند للحكومة المدنية المرتقبة خاصة أنها مواجهة بتحديات اقتصادية وأمنية وأخرى لتحقيق السلام كبيرة جداً حتى تتمكن من تجاوزها .
صفحة جديدة
وزير الخارجية الألماني كشف أيضاً عن ان حواراً ستقوده حكومة بلاده مع البرلمان الألماني من أجل تحديد كيفية استئناف التعاون الاقتصادي مع السودان، ومعلوم أن العلاقات بين الخرطوم وبرلين تقوم في أساسها الأول على المصالح الاقتصادية ويتوقع مراقبون أن تشهد الفترة القادمة بعد مصادقة البرلمان الألماني طفرة حقيقية في مجال التعاون بين البلدين في شتى المجالات خاصة الاقتصادية.
مفتاح مهم
مسئول حكومي وصف زيارة وزير الخارجية الألماني للخرطوم أمس الأول بأنها مفتاح هام لإعادة اندماج السودان في المجتمع الدولي خاصة الدول الأوربية. ويرى السفير أبو بكر الصديق الناطق باسم الخارجية في تصريح للصيحة، أن ألمانيا دولة ذات ثقل دولي ومنبر هام جداً اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً وهي تمثل مع فرنسا قاطرة للاتحاد الأوربي باعتبارهما أكبر قوة اقتصادية في أوربا، ووصف العلاقة بين ألمانيا والسودان بالتاريخية منذ أن كانت ألمانيا تنقسم لدولتين حيث تربطها بالسودان علاقة تعاون وثيقة وهي من وضع الأساس لتلفزيون السودان الحالي، فضلاً عن مساهمتها في تأسيس مشروع المناقل التابع لمشروع الجزيرة.
ولفت لدور ألمانيا الهام ومساعيها لتحقيق السلام في دارفور فضلاً عن أنها تمثل قوة مفتاحية في مجلس الأمن بحكم عضويتها الراهنة، حيث دفع الوزير بالتزام قوي للوقوف مع السودان.
وعبر الصديق عن أمله أن تكون الزيارة فاتحة خير لتدفق الدعم الدولي للسودان الذي هو الآن في أشد الحاجة إليه. وأضاف: نتطلع أن تكون برلين شريكاً أساسياً إستراتيجياً للتنمية في السودان خلال الفترة المقبلة.
تخوف مشروع
الخبير السياسي والاستراتيجي الدكتور صلاح الدومة قال للصيحة إن ألمانيا ظلت تهتم بالسودان منذ الحرب العالمية الأولى، ويعتقد أن أحد أسباب الزيارة بجانب العلاقة التاريخية أن برلين ترى أن السودان إذا لم يتم احتواؤه في المرحلة الراهنة من قبل الاتحاد الأوربي ستكون الهيمنة عليه من قبل دول الشرق الصين وروسيا.
ولفت الدومة في حديثه للصيحة إلى أن لبرلين دراسات متكاملة عن السودان فى كل المجالات وظلوا يقدمون له الدعم، غير أن الحكومات المتعاقبة على السودان لم تستفد من العروض الألمانية، ولفت إلى أن برلين ترى أن السودان مسرح للاستثمار المفيد جداً خاصة وأن لديها فوائض مالية كبيرة يمكن استثمارها فيه، إذا ضمنوا عائدها.
وتوقع الدومة أن يعمل رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بالتنسيق مع وزير المالية المرتقب وضع خطط تمكن السودان من الاستفادة من التعاون المرتقب مع ألمانيا، غير أنه حذر من محاولات الدولة العميقة لصرف رئيس الوزراء لمعارك جانبية تكون نتيجتها هدر وقته وتركيزه .
فلاش باك
الطابع الاقتصادي هو السمة الغالبة على العلاقات بين الخرطوم وبرلين، وتعود مسيرة العلاقات السودانية الألمانية إلى حقبة ما بعد الاستقلال مباشرة، حيث بدأت العلاقات منذ العام 1958م، حيث تلقى السودان في ذلك الوقت مساعدات اقتصادية وفنية من ألمانيا الاتحادية.
وينبع الاهتمام الألماني بالسودان، من واقع الخصوصية التي يتمتع بها السودان من ناحية استراتيجية سياسية واقتصادية، فالسودان يشكل جزءاً مهماً للدول الأوروبية من خلال تميزه بأنه معبر استراتيجي بين الدول العربية والأفريقية، ومن خلال امتلاكه إمكانيات وموارد طبيعية هائلة جعلته محل اهتمام كافة الدول الأوروبية وألمانيا على وجه الخصوص.
مرت العلاقات بمراحل مد وجزر، غير أن ألمانيا لم تنتهج مع السودان سياسة الإدانة، بينما سياستها كانت في كثير من الأحيان تقوم على الفهم والتشجيع المتبادل وقدمت العون المالي والفني للسودان، في سعيها للتغلغل داخل أفريقيا لكنها تدهورت في عهد الإنقاذ، رغم ذلك تم الاحتفاظ بالتمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وذلك لأن ألمانيا ترى أن تغيير الحكومات لا يؤثر في العلاقة بين الدول، لأن منطلقها أن السودان يشكل جزءاً هاماً للدول الأوروبية، ويأتي في نسق السياسة الكلية للدول الأوروبية تجاه الشرق الأوسط وأفريقيا.
طابع العلاقة اقتصادي، ومعروف أن ألمانيا قدمت في فترة الستينيات الدعم للتلفزيون السوداني، وقامت بإنشاء مصانع للسكر ومحطات للكهرباء والطرق ومراكز التدريب المهني. بالإضافة إلى ذلك فقد أنشأت ألمانيا الكثير من المؤسسات الثقافية والتعليمية في الخرطوم. وتميزت العلاقات السودانية الألمانية بالطابع الاقتصادي وإن كانت العلاقات السياسية يشوبها التوتر في بعض الأحيان، فتتوقف المعونات والمنح إثر ذلك، وتضع ألمانيا عدة شروط لاستمرار دعمها وتعاونها مع الدول في المجال الاقتصادي والفني منها حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح الاقتصادي في الدولة المعنية بتقديم العون لها.