جيشان و كذبة .. ثم جاء (علي)!

 جيشان و كذبة .. ثم جاء (علي)!

علي أحمد

“الجيش السوداني مكنش عنده علم بخروجنا، ولا كان يعرف أي حاجة”.

بهذه العبارة، التي أطلقها في حوار مع المذيع “أحمد طه” على قناة الجزيرة مباشر، حسم (علي)، أحد الأسرى المصريين السبعة الذين أفرجت عنهم قوات الدعم السريع مؤخراً بالعاصمة الخرطوم، الجدل حول ملابسات الإفراج عنهم.

وكشف أن الإفراج عنهم تم دون أي عملية عسكرية نوعية كانت أم كمية ودون أي تدخل عسكري، وإنما أوصلتهم وحدة من قوات الدعم السريع إلى نقطة ارتكاز قرب قاعدة “حطاب” العسكرية التابعة للجيش السوداني، والكائنة في مدينة الخرطوم بحري، ثم طلبت منهم التوجه إلى أول ارتكاز يتبع للجيش السوداني، فذهبوا على أقدامهم إلى الجيش السوداني، وانتهى الموضوع. واستنتج الرجل أنه ربما جرت اتصالات وتنسيق بين المخابرات المصرية وقوات الدعم السريع، تم بموجبه إطلاق سراحهم.

نسفت رواية “علي” السرديتين الرسميتين حول العملية النوعية للجيشين المصري والسوداني، وجعلتهما سخرية بين الناس، خصوصاً أن داعمي الجيشين، البلابسة الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، واللايفاتية الكذبة في البلدين، خاضوا نقاشات شرسة حول ما أطلقوا عليه عملية نوعية تمت بالتنسيق بينهما لإطلاق سراح الأسرى. فبينما ادعى البلابسة السودانيون أن الجيش السوداني هو من خطط ونفذ وقام بهذه العملية غير المسبوقة وحده، احتج البلابسة “الأشقاء المصريون” بأنه لولا جهود المخابرات المصرية، التي سخرت جميع إمكانياتها المادية والفنية والعقلية للإعداد لهذه العملية التي وصفوها بأنها “تُدرّس في مدارس المخابرات العالمية”، لما تمكن الجيش السوداني من إنجاز المهمة بمفرده، فخرج عليهم – وعلينا- (علي) وإذا بنا أمام مسرحية رمضانية كوميدية بلا درس أو مدارس!

ضرب (علي) الأسير المفرج عنه – جزاه الله عنا كل خير في هذا الشهر المبارك – كل هذه الترهات في مقتل، وأصابها في كبدها، وألقى بها صريعة.

إلا أن تلك القصص والسرديات المفبركة تبقى كذكرى “لطيفة”، يعود إليها الإنسان كلما شقّت عليه الحياة وعبثت به مقادير الزمان. فعلى سبيل المثال، أوردت صحيفة “أخبار اليوم” المصرية ما يلي:

“بلغ التنسيق العسكري والأمني بين مصر والسودان ذروته أمس الخميس، بتنفيذ عملية مشتركة جرى خلالها تحرير الأسرى المصريين المحتجزين لدى مليشيا الدعم السريع.”

أما فضائية القاهرة الإخبارية المخابراتية، فقالت:

“إن الأجهزة المعنية في مصر تمكنت من تحرير المصريين المختطفين من قبل مليشيا الدعم السريع، وذلك بالتنسيق مع السلطات السودانية، وإعادتهم سالمين إلى مصر.”

فيما وضعت صحيفة الأهرام، كبرى الصحف المصرية الرسمية، ومصنع الأكاذيب الرسمية على مر العصور، عنواناً مذهلاً:

(مصر لا تنسى أبناءها، مهما طال الوقت أو اشتدت الصعاب).

وقال رئيس حزب الوفد المصري:

“إن الحسابات الدقيقة التي واكبت عملية تحرير المختطفين، من حيث التوقيت، وتوظيف إمكانيات الطرفين المصري والسوداني لإنجاح العملية، تؤكد مهنية أجهزة الدولة، تحديداً الأمنية والدبلوماسية، في التعامل مع الأزمات الطارئة، في ظل التوترات الأمنية التي يشهدها السودان حالياً.”

وليس هناك ثمة كذب “أجمل” من الكذب المصري المعتق، أما الكذب “البورتسوداني” فلا طعم ولا لون له.

يا سلام! ما هذا الجمال الطاغي في تدبيج الأكاذيب وترويجها دون الشعور بالذنب! ولولا أن سخّر الله لعباده (علي)، لكان البلدان الشَّقِيَّان قد سجّلا هذه الواقعة في سجلات بطولات جيوشهما “العظيم”. لكن مشيئة الله في عباده لا رادّ لها، وقد أجراها سبحانه وتعالى على لسان علي عبر قناة الجزيرة واسعة الانتشار، ليخبر العالم كله، في نحو عشر كلمات فقط، أن هذين الجيشين يكذبان:

“الجيش السوداني مكنش عنده علم بخروجنا، ولا كان يعرف أي حاجة.”

وبالتالي، فإنه لا يمكن أن تنسق المخابرات المصرية مع جيش “مكنش عنده علم، ولا كان يعرف أي حاجة”.

وأزيدكم من الشعر بيتاً: المخابرات المصرية أيضاً “مكنتش تعرف أي حاجة”، ولو كانت تمتلك القدرات والإمكانيات لما تركت رعاياها أو جنودها مأسورين لنحو عامين. كل ما في الأمر – كما يبدو لي – أن قوات الدعم السريع، وفي سياق إعادة ترتيب عملياتها العسكرية، قررت الانسحاب من أجزاء من الخرطوم، ولم تكن تريد أن تتقيد بوجود أسرى أجانب أثناء تنفيذ خططها، فقررت إطلاق سراحهم بالطريقة التي رواها الأسير المفرج عنه “علي”.

شكراً (علي)، رغم أنك قطعت علينا متعة الاستمتاع بمسرحية كوميدية، انطلقت من مسارح العبث الممتدة من بورتسودان إلى القاهرة، عنوانها: “الجيش ميعرفش حاجه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى