تقرير: عبد الله عبد الرحيم
لا زال أمر تأخير إعلان التشكيل الوزاري لحكومة الكفاءات المنتظرة، أمر يراوح مكانه، حيث أن طبيعة تلك الاستصحابات الجديدة، التي يجب أن تلازم هذه الحكومة من شأنها خلق منصات جديدة لواقع ينتظره الكل، بعد أن رفعت قوى الحرية والتغيير طموحات وآمال الناس بأن القادم سيكون أحلى بناء على ما رفع من شعارات إبان الثورة وصارت أيقونة جماهير الثورة.
بيد أن الواقع الذي تواجهه حكومة حمدوك القادمة يصطدم بتحديات كبيرة من شأنها أن توقف عجلة آمال وطموح الناس والتي تدحرجت بصورة دراماتيكية لم تترك مؤسسة من مؤسسات الرئاسة إلا وجعلتها عرضة لساحة آمال وطموح الكثيرين، فهل سيحقق حمدوك طموحات الملايين من بني الشعب السوداني أم إن ما يعقب التشكيل الوزاري سيكون أمراً ومخاضاً عسيراً على حكومة حمدوك ولا يمكن تحقيقه، وهل الطريقة التي اتبعت في تشكيل الوزارات من شأنها خلق عداء للحكومة المقبلة باعتبار أنها أبعد عن تشكيلها بعض الرموز بمناطق يرى أهلها أنهم ألاحق بالتمثيل والاختيار في التوليفة الحكومية.
بيد أن حمدوك قد سبق قوله بأن الحكومة التي يأتي هو على رأسها لم تكن للمحاصصة ولا الشلليات وإنما حكومة مهام ومن ينفذها هم التكنوقراط والأكفاء من المدنيين السودانيين، فهل وافق القول العمل بالنسبة لحمدوك وقوى الحرية والتغيير أم إن بنوداً وأجندة أخرى حملت الأطراف المعنية لتغييب ما جرى في عملية الاختيار الوزاري أمر صعب توقعه وبالتالي تمت وفقاً للتنازل الكبير في الاختيار وفقاً لما تمت تلاوته بشأن المرحلة الانتقالية؟!
إخلال وفشل
إن تعثر تشكيل حكومة الفترة الانتقالية بصورة تسببت في الإخلال بالمصفوفة الزمنية لتنفيذ الاتفاق الشامل بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، رغم نجاحه في تسمية المجلس السيادي ورئيس الوزراء، لكن ما يدعو للدهشة أن نفس المصفوفة فشلت في تشكيل الحكومة يوم ٢٨ من الشهر المنصرم وأداء القسم، وعقد أول اجتماع لها، وقد واجهت مكونات قوى الحرية والتغيير صعوبات رغم أنها قامت بتقديم الترشيحات للوزارات الجديدة، ولكن قدر أنها جاءت وفقاً للمحاصصة الحزبية التي تشكل هذه القوى عوضاً عن الكفاءة التي كان متفقاً عليها.
ويقول خبراء ومحللون أن إصرار د. حمدوك على تنقيح الترشيحات المقدمة له من قبل قوى التغيير، مكنه من الوقوف على مؤهلات وإمكانات المرشحين ليتجنب عملية الفشل المبكر للاختيارات وبالتالي إعادة التشكيل مرة أخرى لتوافي متطلبات الثلاث سنوات وهي عمر الحكومة الانتقالية.
ولذلك، رأى البعض أن تأني حمدوك في عملية الاختيار هي خطوة صحيحة ومباركة ولا تعد منقصة لإكمال الاتفاق الموقع بين العسكري وقوى التغيير مؤخراً، وكان يقتضي إكماله في فترة زمنية محددة.
خبرات الرموز
وقال د.أبوبكر آدم الأكاديمي والمحلل السياسي لـ(الصيحة) إن شروط قوى الحرية والتغيير بعدم المشاركة الحزبية في الصفوف الأولى للأحزاب لم يراع خبرات السياسيين ورموز الأحزاب، معتبراً ذلك بالخلل في منهج الحكم الانتقالي، وزاد إن الحكومة الانتقالية يجب أن تضم أهل الحكمة والتجربة بالإضافة لأصحاب القرار في المؤسسات الحزبية، منتقداً عملية الاختيار للحكومة الانتقالية والتي تجنبت حسب رؤيته بعض الرموز المؤثرة في الشارع السوداني ويحملون الصفات الواجبة لشغل المنصب الحكومي في الفترة المقبلة من الانتقالية. مشيراً إلى حالة الشد والجذب الكبيرة بين من تم التراضي عليهم لأنهم يمثلون الثورة، وأكد إنه إذا ما أصر قادة التغيير على تجاوز ما وعدوا به الشعب وضربوا بعرض الحائط تعهداتهم السابقة بالشفافية والعدل والحرية فإن الكرة ستعود عليهم مجدداً، وستضع حداً للحكومة الانتقالية مبكراً لعدولها عن الطريق المرسوم لها حسب د. أبوبكر آدم.
وأعرب أبوبكر عن أمله في أن تكلل مساعي د. حمدوك بالنجاح في اختيار حكومة رشيقة من كفاءات مقتدرة والإعلان عنها في أقرب وقت ممكن، لإدارة الجهاز التنفيذي الانتقالي والذي أعتقد أنه سيحظى بالدعم الكامل من كافة القطاعات الشعبية والسياسية والفئوية لمساعدته في مواجهة مهام جسام تنتظره، تبدأ بالعمل على تحقيق السلام ومعالجة الضائقة المعيشية التي أثقلت كاهل المواطنين، إضافة للبحث الجاد عن حلول عاجلة وأخرى دائمة للأوضاع الاقتصادية وتفلتاتها التي ضيقت الخناق على المواطن.
وقال كان هذا هو منهاج الدولة الجديدة، فإن السيناريو القادم هو ربما تم التمديد لها لحكم البلاد خلال المرحلة الديمقراطية المستشرفة عقب انقضاء الثلاث سنوات لتثبيتها عنصر الشفافية والعدل والرغبة في تقديم ما ينفع البلاد على أساس المواطنة وليس على أساس القبلية النتنة.
تباشير ودعم دولي
وقال دكتور السر محمد علي الأكاديمي والمحلل السياسي لـ(الصيحة)، إن من تباشير مرحلة ما بعد الانتقال للتشكيل الحكومي الجديد دستورياً هو الخطوة التي ابتدرتها كل من فرنسا وألمانيا الاتحادية، حيث بادرت المستشارة الألمانية ميركل بتقديم التهنئة لرئيس وزراء جمهورية السودان عبد الله حمدوك، توجهت من خلالها بخالص التهانئ بمناسبة تقلُّده منصب رئيس الوزراء. وقالت: تتولون مهام الحكومة في وقت على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للسودان. مشيرة إلى أنه تقع على عاتقهم الآن مهمة لها مسئوليتها، إذ عليهم على مدى السنوات الثلاث المقبلة مسئولية وضع الأسس اللازمة لتغيير سياسي في السودان وقيادة البلد إلى مستقبل سِلْمي وديمقراطي. معربة في أن يحقق الفريق المختار لقيادة الحكومة أكبر قدر ممكن من النجاح، كما جزمت بأن ألمانيا سوف تساند السودان بوصفه شريكاً موثوقاً حينما يتعلق الأمر بتأمين السلام الداخلي والتنمية في البلاد، وفي المنطقة بأكملها أيضاً. مطالبة بالكثير من المثابرة والحذر، وقالت هو الجسر الذي يؤدي إلى التغلب على الخلافات داخل السودان وإلى المساعدة في المصالحة بين جميع السودانيين. ونادت بوجود بيئة سلمية تتمكن من النجاح في الاستمرار على طريق التحول الديمقراطي ومنح البلاد مستقبلاً سعيداً، وطالبت ميركل بأن يكون لدى الحكومة الجديدة قدراً كبيراً من القوة والنجاح والمهارة الدائمة للتغلب على التحديات الكبيرة التي تواجه السودان. كما أعربت فرنسا عن دعمها للسودان في معالجة قضية الديون الخارجية مرحبة بالتغيير الذي حدث بالسودان والبدء في تشكيل الحكومة الانتقالية.
وأكدت السفيرة الفرنسية على دعم فرنسا للسودان في المجالات الاقتصادية والتنموية عبر الوكالة الفرنسية للتنمية. كما أكدت على دعم فرنسا في معالجة ديون السودان التنموية، معبرة عن أملها في أن تشهد الفترة القادمة المزيد من التنسيق بين البلدين في المجال السياسي .
ذوبان الجليد
ويرى السر أن السودان الذي كانت تحاكمه فرنسا وألمانيا وبقية الدول الغربية قد بدأ جليده يذوب عقب التداعيات الغربية والتكالب على التبشير ببداية مرحلة جديدة لها مع الحكومة المرتقبة ما يشير إلى أن الحكومة القادمة لا تحمل إلا طريقاً واحداً، وهو سيناريو التحول الدولي في العلاقات مع السودان. وهذا التحول من شأنه أن يعجل ببداية مرحلة جديدة قوامها الشفافية والديمقراطية والوقوف على مسافة واحدة مع كل القضايا الوطنية عبر رئيس الوزراء الذي بدأ يحصد المباركات الدولية قبل تدشين بداية مرحلة جديدة لحكومته المهنية، مستبعداً حدوث أية سيناريوهات قد تعصف بالتشكيل الجديد للحكومة الوليدة.