دستور السودان الإنتقالي وفرص بناء دولة المواطنة

دستور السودان الإنتقالي وفرص بناء دولة المواطنة

ضو البيت يوسف أحمد حسن

وقعت أكبر كتلة سياسية مدنية وعسكرية في تاريخ السودان الحديث على مسودة الدستور الإنتقالي والذي نص صراحة على علمانية وفيدرالية الدولة السودانية ولأول مرة في التاريخ حيث ظل معظم القادة السياسيين في السودان يتعاملوا بلغة الدغمسة في موضوع نظام الحكم الذي يجب أن يكون واضح المعالم.

الدستور الإنتقالي والذي تم التوقيع عليه في نيروبي في الرابع من شهر مارس 2025 يعتبر من أقوى وأفصح الدساتير في تاريخ البلاد لأنه أجاب على الكثير من الأسئلة حول كيف يحكم السودان وكيفية إدارة التنوع والتعدد بين شعوب السودان والطريقة المثلى لإدارة الموارد.

نظام الحكم العلمانى هو نظام محايد تجاه القضايا المتعلقة بالدين ويقوم على مبدأ فصل الحكومة ومؤسساتها السياسية عن السلطة الدينية. وبالتالي يعتبر ذلك إحتراماً للأديان وعدم الزج بها في الحكم والقضايا السياسية إذن ما العيب في ذلك إذا كان للكل حق ممارسة الشعائر الدينية وفق الأعراف والقوانين والنظم التي تحكم كل فئة دينية أو ثقافية محددة داخل الدولة.

الدستور الإنتقالي لم ينص على علمنة المجتمع وحتى لا نخلط الحابل بالنابل فالعلمانية لا تُعني الحرية الفوضوية كما يظن الكثيرون من الذين يسمعوا عن العلمانية ولم يدركوا كنهها، فالسودان لم يكن أكثر تمسكاً بالدين من دولة تركيا التي تطبق النظام العلماني الذي ساهم في التقدم والتطور وإزدهار الدولة التركية.

القضية الأخرى التي عالجها الدستور الإنتقالي للعام 2025 في نيروبي وهو النظام الفيدرالي الذي من شأنه معالجة الخلل البنيوي في توزيع الموارد وبالتالي المساواة في التنمية والخدمات وفرص العمل. وهو ما فشلت في تحقيقه الجمهورية الأولى منذ ٥٦ إذ أن موضوع التوزيع العادل للثروة ظل أحد الأسباب الرئيسية وراء إندلاع الحروب في السودان فقد إستأثرت مجموعات بعينها ومن مناطق ليست بها أي مورد يساهم في الدخل القومي رغم كل ذلك سيطرة مجموعات صغيرة على موارد البلاد المالية ووظفتها بطريقة تنم عن المحسوبية والإنتهازية والعنصرية وحرمت أصحاب وأهل المناطق المنتجة من حقها في التنمية والخدمات الأساسية للمواطنين مما كان له الأثر الأكبر في تخلف تلك المناطق في مجالات الصحة والتعليم والزراعة والصناعة والبيئة فأسهمت الدولة بشكل مباشر في التهميش المتعمد والظلم الإجتماعي التراكمي مما خلف نوع من الفقر والبطالة والفساد وغرست مفهوم عدم قَبول الآخر والإستعلاء العرقي والثقافي داخل الدولة.

دستور السودان الإنتقالي عالج هذا الأمر بإتباع نظام الحكم الفيدرالي الذي يعطي لكل إقليم حق أصيل في إدارة موارده المالية والاقتصادية وفق نظم وقوانين تحدد نسب للمركز بالشكل الذي لا يتعارض مع حق مواطني الإقليم في الإستفادة من مواردهم للمساهمة في التنمية المستدامة ومحاربة الفقر والبطالة والعمل على إستحداث نظام التأمين الاجتماعي والصحي الذي يهدف لتحقيق الاستقرار والتوازن.

الدستور الإنتقالي نص صراحة على ضرورة بناء قوات نظامية مهنية قادرة على تحقيق الأهداف المنصوص عليها في الدستور على أن تكون هذه القوات النظامية بعيدة عن السياسة وغير مرتبطة بأي نظام سياسي شريطة أن تقوم على أساس العدالة والمساواة في فرص الإلتحاق بتلك القوات وفق معايير محددة منها على سبيل المثال معيار التعداد السكاني لكل إقليم لضمان عدم هيمنة مجموعة عرقية معينة أو جهة جغرافية محددة على تلك القوات مما يضمن سلامة القرارات التي تتخذ من قِبَل هيئة القيادة فيما يتعلق بحماية المدنيين وحماية الدستور وحدود الدولة السودانية.

وعليه فإن هذا الدستور لا تنتطح عنزتان في أنه الأمثل والأفضل لحكم السودان هذا البلد المترامي الأطراف والمتعدد الثقافات والديانات مما يجعل من فرص الوحدة الوطنية أولوية مطلقة لكل شعوب الأقاليم وبالتالي توظيف تلك الوحدة لأغراض القوة والإزدهار والأمن والإستقرار.

من مدينة kabale  يوغندا

6 مارس 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى