شروط “كرتي” المنتصر بالبشريات؟!

شروط “كرتي” المنتصر بالبشريات؟!
الجميل الفاضل
إستبق الأمين العام لما يسمي بالحركة الإسلامية علي أحمد كرتي، نهاية الحرب المستعرة بالبلاد لنحو عامين، بما يشبه “خطاب النصر” الذي يرسم فيه المنتصر عادة ملامح مرحلة ما بعد حربه، قائلا: إن حركته تعمل على المضي قدمًا في إستثمار ما إعتبرها “بشارات للنصر”، بالدعوة لتأسيس بناء وطني جامع يحقق الأمن والإستقرار.
حاثا السودانيين لوحدة الصف وجمع الكلمة، مشيرا بأريحية المنتصر صاحب اليد الطولي والعليا، إلى أن الحركة الإسلامية التي يتزعمها تمد يدها بيضاء لكل السودانيين، الذين ميزهم بوصف “الوطنيين”، بهدف تأسيس قاعدة مشتركة لوحدة الصف وجمع الكلمة، من أجل بناء السودان، وتحقيق ما زعم أنها: تطلعات تعبر عن الأمة السودانية تتمثل، في الإعمار والتنمية والإستقرار، وتمكين الشباب، وحراسة القيم.
وشدد كرتي: على أن حركته تفخر بتقديم جيل جديد من الشباب، قادر على قيادة الحياة وإصلاح المجتمع، والمساهمة في ريادة آفاق التنمية وحراسة القيم وتأمين البلاد.
إذ لا يخفي أن مثل هذا الخطاب لا يمكن ان يصدر سوي من قائد انتصر بالفعل إنتصارا كاسحا وحاسما في ميادين الحرب والقتال، لا لمجرد أن رجل قد خاطره ما تظني أنها “بشريات انتصار” كما أشار، ليذهب كرتي علي سراب هذه البشريات نفسها لمخاطبة أهل السودان من منصة المنتصر الذي لا تنتطح حول انتصاره عنزان، متحدثا من تحت أرنبة أنفه بشرعية المتغلب، الذي يملي علي الناس ما يريد، من واقع يشكله علي مزاجه منفردا وكما يهوي هو وحده، لمرحلة ما بعد الحرب التي لم تنته بالطبع بعد، وفق خياراته أو خيارات تنظيمه الخاصة، والتي ما هي في حقيقتها سوي إشتراطات فصلها بعنجهية وصلف باديين، علي مقاس أحلامه أو قل أوهامه، ومن شايعه كذلك من جماعته المتناسلة عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، دون ان يضع في حسبانه أو باله، حتي أدني إعتبار لأن حربه التي أوقد نارها هو، لم تزل هي في أوج إستعارها، وأنها لا زالت في مضمار السجال، لم تضع علي الأرض أوزارها.
علي أية حال، فإن مثل ما قال به كرتي، لا يمكن أن يصدر بأي حال من الأحوال، عن قائد يفترض في أدني درجات التقدير أنه رجل عاقل راشد.
بما يفتح باب السؤال علي مصراعيه حول حالة هذا الرجل المؤثر في الأحداث ومصائر البلاد والعباد لأدواره المعلومة والخفية في هذه الحرب.
وهل بات كرتي يعاني الآن أعراض حالة نفسية أخلت بالتوازن الداخلي له كشخص، حالة ربما تكون ناجمة عن تزايد الضغوط عليه من داخل تنظيمه ومن خارجه، بعد أن فشل في إنجاز حرب خاطفة تصور انها ستنتهي نهاية سعيدة في سويعات، يستعيد بها حكم حركته للسودان.
المهم فإن وطأة مثل هذه الضغوط المتنامية مع تصاعد وتائر الحروب، وبالتالي مع تعاظم تبعاتها ومسئولياتها، وما يمكن أن يترتب عليها من حساب وعقاب.
كل ذلك من شأنه أن يوقع أحيانا من تقع عليه المسئولية الأولي في حرب كهذه في شراك نوع من خداع الذات، يصدق به من تورط في مغبة مثل هذه الحروب، صور إنتصارات زائفة أو غير مكتملة يتصورها علي الأقل”بشريات انتصار”، تعيد له نذرا يسيرا من توازنه الداخلي المضطرب ولو إلى حين.