بقلم / أسامة سعيد
في حدث تاريخي يُعد خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار في السودان، تم اليوم الموافق 4 مارس 2025 التوقيع على الدستور الانتقالي لجمهورية السودان من قبل قادة تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) في العاصمة الكينية نيروبي. يمثل هذا التوقيع نقطة انطلاق نحو تأسيس دولة مدنية ديمقراطية قائمة على السلام والعدالة والمساواة بين جميع المواطنين. يأتي هذا الدستور ليكون الإطار القانوني الذي ينظم السلطات العامة ويقود البلاد خلال فترة انتقالية تهدف إلى إنهاء الحروب وإعادة تأسيس مؤسسات الدولة.
الشعب مصدر السيادة
يبدأ الدستور بتأكيد أن السيادة للشعب السوداني، الذي يملك الحق المطلق في تقرير مصيره وإدارة شؤونه بحرية واستقلالية. كما يعترف الدستور بتنوع السودان الثقافي والديني والعرقي، ويؤكد أن وحدة البلاد تستند إلى إرادة شعبية حرة. ويعكس الدستور التضحيات التي قدمها السودانيون على مدار سنوات من النضال، وبالأخص ثورة ديسمبر المجيدة، التي استردت مسار التحول الديمقراطي وأعادت الأمل في بناء دولة مدنية تقوم على حكم القانون.
فصل الدين عن الدولة
من أهم الركائز التي يقوم عليها الدستور الانتقالي هو النص الصريح على علمانية الدولة وفصل الدين عن شؤون الحكم. يهدف هذا المبدأ إلى بناء دولة محايدة تجاه الأديان، تضمن عدم استغلال الدين لأغراض سياسية، وتؤسس لحكم قائم على مبادئ المواطنة المتساوية. هذا الفصل بين الدين والدولة يضمن عدم تمييز أي فئة من السودانيين على أساس الدين أو العرق، وهو خطوة جوهرية نحو بناء دولة ديمقراطية عادلة.
الوحدة الطوعية
يدعو الدستور إلى تحقيق وحدة السودان على أسس طوعية، ترتكز على احترام التنوع الثقافي والعرقي والديني، مع ضمان الحقوق المتساوية لجميع المواطنين. كما يسعى الدستور إلى إنهاء كل أشكال التهميش والإقصاء التي عانى منها السودان تاريخيًا، وهو ما يعزز العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة في مختلف أنحاء البلاد.
الحقوق والحريات
يضع الدستور وثيقة شاملة للحقوق والحريات الأساسية التي يلتزم السودان بضمانها. وتشمل هذه الحقوق الحق في الحياة، حرية التعبير والفكر، حرية التجمع والتنظيم، والحماية من التعذيب والاستغلال. كما يعترف الدستور بحقوق المرأة والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة، ويلتزم بتوفير الحماية والرعاية اللازمة لهم. وتعتبر هذه الوثيقة حجر الزاوية في تأسيس نظام حكم يحترم الكرامة الإنسانية ويعزز الحرية والعدالة.
مراحل الفترة الانتقالية
ينص الدستور على فترة انتقالية تقسم إلى مرحلتين. تبدأ المرحلة الأولى من تاريخ نفاذ الدستور وتهدف إلى إعلان إنهاء الحروب في السودان. وتستمر المرحلة الثانية لمدة عشر سنوات، حيث يتم العمل على بناء مؤسسات الدولة، وتحقيق التنمية المستدامة، وضمان استقرار النظام السياسي. هذه الفترة تشكل فرصة لتعزيز الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار.
مهام حكومة السلام
يكلف الدستور حكومة السلام الانتقالية بمهام أساسية لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد. تشمل هذه المهام وقف الحروب وحماية المدنيين المتضررين من النزاعات، توفير الحقوق الدستورية للمواطنين الذين حُرموا منها بسبب الحرب أو التمييز، بالإضافة إلى تأمين عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم وضمان حقوقهم الدستورية. كما تلتزم الحكومة بتحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان. وتضع الحكومة أيضًا سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى معالجة الفقر والفساد، وبناء نظام اقتصادي مستدام يخدم تطلعات الشعب السوداني.
نظام الحكم
يؤسس الدستور لنظام حكم لامركزي يقسم السودان إلى ثمانية أقاليم، تتمتع كل منها بصلاحيات إدارية وتنظيمية واسعة. يسعى هذا النظام إلى ضمان توزيع عادل للسلطات والموارد بين الأقاليم المختلفة، بما يسمح للأقاليم بإدارة شؤونها الداخلية وفقًا لخصوصياتها المحلية، مع الالتزام الكامل بالقوانين والمبادئ الدستورية. هذا النظام يُعزز المشاركة الشعبية في صنع القرار ويضمن التوازن بين الحكومة المركزية والأقاليم.
يمثل الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2025 نقلة نوعية نحو بناء دولة مدنية قائمة على سيادة القانون والمساواة. يوفر هذا الدستور إطارًا لإنهاء الحروب، حماية المدنيين، واستعادة الحقوق الدستورية، مع تعزيز نظام حكم لامركزي يضمن توزيعًا عادلًا للسلطات والموارد. توقيع قادة تحالف السودان التأسيسي عليه في نيروبي يفتح صفحة جديدة نحو السلام المستدام والتنمية الشاملة، ليبدأ السودان رحلة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.