سودان جديد

سودان جديد

سارا مالك السعيد

في ظل حالة الانهيار السياسي والعسكري التي يشهدها السودان، جاء مؤتمر نيروبي لتحالف السودان التأسيسي كخطوة غير مسبوقة في إعادة هندسة السلطة السياسية في البلاد. هذا المؤتمر ليس مجرد تجمع لقوى معارضة، بل يمثل نقلة نوعية في ديناميكيات الصراع السوداني، حيث يطرح بديلاً حقيقيًا للسلطة القائمة في بورتسودان، مستندًا إلى توازنات القوى الجديدة على الأرض.

لماذا يشكل مؤتمر نيروبي لحظة مفصلية؟

على مدار السنوات الماضية، فشلت محاولات عدة لإعادة بناء الدولة السودانية، بسبب سيطرة النخب التقليدية على المشهد السياسي، واعتمادها على شرعية دولية شكلية بدلًا من امتلاك شرعية مستمدة من القوة الفعلية والتأييد الشعبي. لكن ما يميز مؤتمر نيروبي عن المبادرات السابقة أنه يستند إلى الواقع العسكري والسياسي الجديد، حيث تمثل قوات الدعم السريع اليوم قوة ميدانية فاعلة، لا يمكن تجاوزها في أي تسوية مستقبلية كما يعكس تحولًا استراتيجيًا في طريقة إدارة الصراع، من خلال طرح رؤية للحكم بديلة عن سلطة بورتسودان التي فقدت نفوذها على الأرض ويضع أسسًا قانونية جديدة عبر الميثاق السياسي والدستور المؤقت، وهو ما يميزه عن التحالفات السياسية الفضفاضة التي شهدها السودان في الماضي.

النقاط الأساسية للمؤتمر: ما الذي يجعله مختلفًا؟

ميثاق سياسي ودستور مؤقت:

أحد أكبر إخفاقات السودان بعد الثورة كان غياب رؤية قانونية واضحة تُحدد طبيعة الحكم. مؤتمر نيروبي يحاول تجاوز هذا الإشكال عبر وضع أسس دستورية جديدة تتناسب مع الواقع الجديد.

تشكيل حكومة السلام والوحدة:

على عكس الحكومة المركزية في بورتسودان، التي تعتمد على دعم خارجي دون سيطرة حقيقية على الأرض، تسعى حكومة “السلام والوحدة” إلى تأسيس سلطة حقيقية، تتعامل مباشرة مع الواقع الأمني والاقتصادي والسياسي في السودان.

مواجهة سياسات التمييز والإقصاء:

يشير المؤتمر إلى أخطاء الحكومة الحالية في التعامل مع الأقاليم السودانية، من خلال ممارسات تمييزية في توزيع الموارد، وإجراءات اقتصادية تستهدف مناطق بعينها، مما أدى إلى تفاقم الاحتقان الداخلي وزيادة الفجوة بين الدولة والمجتمع.

هل يمكن لهذه الحكومة أن تنجح؟

التاريخ السياسي السوداني يُظهر أن أي حكومة لا تمتلك القدرة على فرض سيطرتها على الأرض مصيرها الفشل. حكومة البرهان في بورتسودان تعاني من ضعف شديد في التأثير السياسي والعسكري، حيث تعتمد بالدرجة الأولى على اعتراف دولي هشّ، دون قدرة فعلية على إدارة البلاد.

في المقابل، المعادلة السياسية الجديدة تُشير إلى أن أي تسوية مستقبلية يجب أن تعكس القوى الفاعلة على الأرض، وهو ما يجعل حكومة السلام والوحدة نموذجًا أكثر واقعية من أي سلطة قائمة على الشرعية الشكلية فقط.

التوازنات الإقليمية والدولية: كيف سيتعامل العالم مع المؤتمر؟

إقليمياً:

من المتوقع أن تنقسم ردود الفعل الإفريقية تجاه المؤتمر، حيث قد تدعمه دول مثل كينيا وتشاد، في حين قد تتحفظ عليه دول أخرى ترى في إعادة تشكيل المشهد السوداني تهديدًا لمصالحها.

الإيقاد والاتحاد الإفريقي قد يتبنيان موقفًا براغماتيًا، يقوم على التعامل مع السلطة الأكثر قدرة على إدارة البلاد، بدلًا من الالتزام بالاعتراف الرسمي بحكومة فقدت سيطرتها.

دوليًا:

القوى الغربية قد تتردد في دعم حكومة جديدة، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن سلطة بورتسودان غير قادرة على إدارة الأزمة.

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يجدان أنفسهما مضطرين للتعامل مع حكومة السلام والوحدة، إذا أثبتت قدرتها على تحقيق استقرار نسبي وإدارة شؤون الدولة بفاعلية.

ختاماً

السودان يدخل مرحلة سياسية جديدة مؤتمر نيروبي ليس مجرد مبادرة سياسية، بل إعادة رسم لخريطة السلطة في السودان. نجاحه يعتمد على قدرته على تقديم نموذج حكم قادر على إقناع السودانيين والمجتمع الدولي بفاعليته.

في النهاية، السؤال المطروح ليس ما إذا كانت حكومة السلام والوحدة خيارًا سياسيًا مقبولًا، بل ما إذا كانت قادرة على فرض نفسها كواقع جديد في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى