لماذا يخشى البرهان القوى السياسية المدنية في السودان؟

اعتبر خبراء أن الهجوم المستمر من قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على القوى السياسية المدنية ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، محاولة لتصفية مشروع الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير ورفضت وجود الجيش في السلطة.
ودرج البرهان على مهاجمة القوى السياسية، خلال خطاباته التي يلقيها في فعاليات مختلفة، وتوزيع الاتهامات على قادتها مهددًا بحرمانهم من العودة إلى البلاد.
وفي آخر خطاباته هاجم البرهان رئيس الوزراء السابق حمدوك، وهدده بأنه لن يأتي مرة أخرى رئيسًا لقيادة الحكومة في السودان، بعد أن اتهم جهات لم يسمِّها بأنها تحاول “فرض حمدوك”، على حد قوله.
واشترط البرهان على من يريد أن يحكم في السودان أن يأتي ويقاتل مع الجيش، قائلًا إن الأفضلية ستكون لمن يقاتلون حاليًا مع الجيش السوداني.
ووزع البرهان الاتهامات على قادة القوى السياسية الذين يرفضون الحرب ويسعون لإحلال السلام، حيث وصفهم بـ”العملاء الذين يتحدثون من الخارج نيابة عن الشعب السوداني”.
وكان حمدوك، الذي يقود تحالفًا سياسيًّا باسم “صمود”، قد شارك خلال اليومين الماضيين في قمة الاتحاد الأفريقي للرؤساء التي انعقدت في العاصمة الإثيوبية وناقشت الأوضاع في السودان، بينما غاب البرهان بسبب تجميد عضوية السودان في المنظمة الأفريقية.
المهدد الحقيقي
وعزا المحلل السياسي داوود خاطر هجوم قائد الجيش المستمر على القوى السياسية المدنية، إلى أنها تمثل المهدد الوحيد لطموحات البرهان في الاستمرار على قمة السلطة.
وأشار في تصريح لـ”إرم نيوز” إلى أن مخاوف البرهان من فقدان السلطة لصالح القوى السياسية، تدفعه إلى مهاجمتها ودمغها بالاتهامات من أجل تشويه سمعتها في المشهد السوداني الذي يخطط للانفراد به.
وأضاف أن “البرهان يخشى بالتحديد عبد الله حمدوك، أكثر من قوات الدعم السريع التي تحاصره من كل جانب، لأنه قادر على التعايش مع الواقع الدموي والقتال الذي يضمن استمراره حاكمًا، إلا أن القوى السياسية الناعمة تهدد مشروعه السلطوي لأنها تعتمد الكلمة والوعي بديلًا للسلاح”.
وأوضح أن البرهان يدرك شعبية حمدوك داخليًّا، والسند الدولي الذي يحظى به، مشيرًا إلى أنه يسعى إلى استغلال المناخ المضطرب في السودان لتشويه صورة خصومه ومنافسيه السياسيين عن طريق التخوين وغيره لخداع الرأي العام السوداني.
وشدد خاطر على أن البرهان لن ينجح في مسعاه؛ لأن الشعب السوداني يعرف حقيقته وحقيقة القوى السياسية وحمدوك، مبينًا أنه متى ما انتهت الحرب سيعود الشعب إلى الشوارع مجددًا لرفض عسكرة الدولة، وللمطالبة بالحكم المدني تحقيقًا لشعارات ثورة ديسمبر التي أطاحت بالبشير.
تصفية الثورة
من جهته قال المحلل السياسي، صلاح حسن جمعة، إن مهاجمة البرهان للقوى المدنية الديمقراطية، ما هي إلا محاولة لتصفية مشروع الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام البشير ورفضت وجود الجيش في السلطة.
وذكر لـ”إرم نيوز” أن البرهان يعلم مدى تأثير القوى السياسية في تشكيل المشهد السياسي في البلاد، مبينًا أن هذه القوى أفشلت مشروع البرهان عقب الانقلاب الذي نفذه ضد حكومة حمدوك في الـ25 من أكتوبر 2021، حينما حرضت الشارع الذي انتظم في سلسلة احتجاجات لم تنتهِ إلا باندلاع الحرب المستمرة.
وأضاف أن “البرهان يريد تصفية مشروع الثورة السودانية التي خرجت فيها جموع الشعب السوداني، للمطالبة بالحكم المدني والتداول السلمي للسلطة، والتي انحازت لها قوات بعد أن تراجعت عن الاستمرار في الانقلاب، بينما أصرّ قائد الجيش على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء”، وفق تعبيره.
وقال إن “البرهان تنكَّر لكل وعوده التي قطعها للشعب الذي ثار على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وانقلب على الوثيقة الدستورية، لكنه اليوم يحاول تمثيل دور المنقذ للسودانيين من هذه الحرب وتنصيب نفسه رئيسًا للبلاد من خلال قوى مصنوعة”.
وأشار إلى أن البرهان يستمر في مهاجمة القوى السياسية الحية التي تتبنى مشروع الحكم المدني وإخراج الجيش من السياسة، لأنها تنشر الوعي بين السودانيين عبر الكلمة وليس السلاح، وتحارب خطاب الكراهية وتسعى لتوحيد السودانيين حول مشروع سياسي لحكم البلاد عبر الانتخابات والتداول السلمي للسلطة.
وأضاف: “هذا هو سبب مهاجمة البرهان للمدنيين، فهو يخشى أن يكون مصيره على يدهم مثل مصير البشير”.
وكان البرهان في آخر خطاب له دعا نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، خالد عمر، إلى العودة وحمل السلاح إلى جانب الجيش.
وسرعان ما ردّ خالد عمر على البرهان، بسخرية، قائلًا إنه “يدعو للسلم، لا للعنف والاقتتال، ولم يكن يومًا من دعاة الحرب أو الدمار”.
وأكد عمر في تدوينة على منصة “إكس” أن “الهم الأوحد للقوى المدنية الديمقراطية، هو رتق النسيج الاجتماعي بدلًا من تمزيقه بخطابات الكراهية والتهييج”.
وأضاف: “لا صنعة لنا سوى السلام والبناء، ولم نكن يومًا من صناع القتل والدمار، وسنظل متمسكين بهذه المبادئ حتى يجد السودان مَخرجًا من هذا النفق المظلم، عاجلًا لا آجلا”.