السودان بين أنياب الاستعمار ولهيب الثورة: متى ينهض العملاق من غفوته؟
السودان بين أنياب الاستعمار ولهيب الثورة: متى ينهض العملاق من غفوته؟
سارا مالك السعيد
على ضفاف التاريخ، حيث تُكتب الحكايات بالدم والنار، يقف السودان اليوم مكبّلًا، تحاصره أنياب الطامعين، بينما تحترق روحه بلهيب الثورة الموءودة. أرضٌ عرفت طعم التمرد منذ الأزل، لكنها لم تذق بعد حلاوة النصر الكامل، وكأن قدرها أن تبقى عالقة بين مجدٍ تليدٍ لم يكتمل، ومؤامرات تتجدد مع كل فجرٍ جديد.
خيانة الحلم وتآمر الأصدقاء
كان السودان يحلم بوطنٍ يليق بأبنائه، وطنٌ لا تحكمه سيوف الطغاة ولا تقيده حسابات المصالح الخارجية، لكنه استيقظ على واقعٍ مرير: قادةٌ يبيعون أحلام الشعب في سوق السياسة الرخيصة، وأعداءٌ يرتدون أقنعة الأشقاء، ينهشون في جسده المنهك باسم التعاون والمصير المشترك. إن الاستعمار حين يعود، لا يأتي على هيئة جيوشٍ ومدافع، بل يتسلل عبر الأبواب الخلفية، يختبئ في اتفاقياتٍ مشبوهة، ويتجمل بشعارات زائفة عن الاستقرار والتنمية. هكذا أصبح السودان ساحةً مفتوحة لأطماع الخارج، بينما يتفرج أبناؤه على وطنهم وهو يُسلَب منهم قطعةً قطعة، دون أن يمتلكوا القوة الكافية لانتزاعه من بين أيدي الطامعين.
سياسة المرتجفين وأوهام الانتصار
كم مرة راهن السودانيون على وعود العالم؟ كم مرة انتظروا أنصاف الحلول؟ لكنهم لم يحصدوا إلا الخذلان، فالنظام الدولي لا ينظر إليهم إلا كأرقامٍ في معادلة القوى، ومصالح لا قيمة لها إلا بمقدار ما تدره من مكاسب للمتنفذين. من يظن أن الحقوق تُوهب فهو واهم، ومن يعتقد أن الحرية تُطلب من طاولات التفاوض فهو لم يقرأ دروس التاريخ جيدًا. فالحرية تُنتزع، والسيادة تُفرض، والشعوب التي ترضى بأنصاف الاستقلال، لا تحصل في النهاية إلا على مزيدٍ من العبودية.
المعركة أكبر من صراع داخلي
التمدد المصري في السودان ليس مجرد خلافٍ على الخرائط، بل هو فصلٌ جديدٌ من معركةٍ قديمة، حيث تسعى القوى الإقليمية إلى فرض هيمنتها، مدعومةً بمخططات دولية تحاول أن تجعل السودان تابعًا أبديًا، يُستخدم وقودًا في حروب المصالح، بينما يُحرم من حقه الطبيعي في الحفاظ على وحدته وسيادته وكتابة مصيره. لكن ما لم يفهمه هؤلاء، أن السودان، رغم جراحه، لم يفقد بعد روحه الثورية، ولم ينسَ أن هذه الأرض قد روتها دماء المقاومين، وأنه مهما بدا منكسرًا، فإنه يعرف كيف يعود ليحرق يد المستعمرين من جديد.
لا نصر بلا وحدة.. ولا حرية بلا وعي
السودان اليوم في معركة ليست فقط ضد الاستعمار، بل ضد ذاته، ضد فرقةٍ أضعفت صوته، وضد قياداتٍ لم تدرك بعد حجم المسؤولية التاريخية التي تحملها. لن يخرج السودان من محنته ما دام أبناؤه يقاتلون بعضهم بدلاً من أن يواجهوا العدو الحقيقي، ولن يستعيد سيادته ما دام هناك من يفرّط في حقوقه تحت شعار الواقعية السياسية. إن الدماء التي سُفكت على هذه الأرض، لا يمكن أن تذهب هباءً، وإن هذه المعركة لن تُحسم إلا حين يدرك كل سوداني أن بلاده ليست للبيع، وأن الحرية لا تُمنح، بل تؤخذ.
فهل آن الأوان لينفض السودان غبار التبعية، ويعلن نفسه سيدًا على أرضه بلا منازع؟ أم سيظل العملاق مكبلًا، حتى يُجهز عليه الطامعون؟.