عبد الفتاح البرهان.. إمّا أن تكون جزارًا أو تكون لحمَة، الخيار لك
![](https://i0.wp.com/www.assayha.net/wp-content/uploads/2024/03/%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF.jpg?resize=300%2C300&ssl=1)
عبد الفتاح البرهان.. إمّا أن تكون جزارًا أو تكون لحمَة، الخيار لك
علي أحمد
لست هنا لمناقشة خطاب قائد الجيش أمس، ولا أثق به ولا أصدق قوله، ولا أمنع أحدًا من أن يثق به ويصدقه، وإن كنت أيضًا لست مع من يقولون إن خطابه تم بالتنسيق مع الكيزان، ويقيني أن ذلك ليس كذلك، بل إن كل كلمة جاءت في خطابه هي من بنات أفكاره، وهو الذي يستلذ دومًا بالنوم ملء جفونه عن كل ما هو دون كرسيه، ويجعل الناس يسهرون جرّاءه ويختصموا، ولكنه هذه المرة لن ينام له جفن، فقد جرت مياه كثيرة تحت جسر المؤامرة، وقد اقتربت ساعة الإطاحة برأسه، التي كنا نراها ولم يكن يراها، ولأجل هذه اللحظة يتم تجريب *سكين البراء* على أعناق الأبرياء العزّل، وليس أمامه ثمة حلول كثيرة أمام السكاكين الطويلة التي تُشحذ لقطع عنقه، *فإما أن يكون جزارًا أو يكون لحمَة*.
لكني هنا لمناقشة رد فعل الكيزان على خطابه، فقد أصدر حزبهم المحلول بيانًا يهدد فيه البرهان تهديدًا مباشرًا، اقرؤوا معي: *”وما إن تضع الحرب أوزارها، نبشر السيد القائد العام والقوى السودانية السياسية الوطنية وغير الوطنية والجيش السوداني وكل أبناء وبنات السودان والمجتمع الدولي، أنه لن يُصادر إرادتنا أحد؛ فنحن حزب ضاربة جذوره في المجتمع السوداني، وطالما أن كلكم تتحدثون عن فترة انتقالية تنتهي بانتخابات، فمرحبًا بصناديق الاقتراع، وحينها لكل حادث حديث.”*رحلات السودان
في الحقيقة، إن عبارة *”نُبشِّر السيد القائد العام”* تعني *”نُحذِّر”*، كما أن البيان لم يستخدم صفة *رئيس مجلس السيادة* التي *يحبها* البرهان عند مخاطبته، ما يعني أن الحزب المحلول، الذي يمتهن الكذب والدسائس عندما يتحدث عن صناديق الاقتراع إنما يريد أن يحكم على أشلاء السودانيين، وهل هناك أشلاء أكثر من التي خلفتها هذه الحرب؟. وأنهم قد قرروا أن ينزعوا الصفة السياسية عنه. ومن هنا تبدأ الحرب الحقيقية بينهما، فالبرهان يطمح ويطمع في أن يستفرد بحكم البلاد مع تكوين ظهير سياسي يدور في فلكه على طريقة *”الاتحاد الاشتراكي”* أيام الرئيس الأسبق جعفر نميري، وما أكثر الموز في جمهوريته.
أما الإرهابيون الإسلاميون، الذين يرأس حزبهم مجرم هارب من العدالة الدولية ويترأس حركتهم آخر أكثر إجراما منه، الذين أشعلوا الحرب من أجل الانفراد بالسلطة بعد التخلص من البرهان عقب استخدامه كواجهة لحربهم الدنيئة التي حوّلت السودانيين إلى أشلاء، ولاجئين، ومشردين في الآفاق، وحولت مدنهم وقراهم إلى أماكن لا تصلح إلا لعيش الأشباح، ولكن يبدو أن البرهان الطامح في الحكم وحده قد أستشعر أخيرا، بعد ثلاث سنوات ونيف من انقلابه معهم ضد المدنيين، أنه كان محض مغفل و”غير نافع”. فالمرحلة القادمة مرحلة كشف الأقنعة وسقوط *”الكرامة”* الزائفة، وعلى السودانيين أن يستعدوا لهذا الصراع الحتمي بين البرهان وكيزانه، ومن لا يصدق فعليه أن يتذكر أن هؤلاء أنفسهم من حاربوا ونكلوا وأهانوا وسجنوا شيخهم *الترابي*، فما هي القيمة الدفترية للبرهان أمام شيخهم وعرابهم؟!
والجماعة الإجرامية الإرهابية، التي ارتكب البرهان خطيئة كبرى بالتحالف والتآمر معها ضد إرادة الشعب، لن ترضخ لإرادته بهذه السهولة، وستعمل بجدٍ – وهي تعمل في الواقع – على التخلص منه في أقرب وقتٍ ممكن. إنها فقط تنتظر أن تضع الحرب أوزارها، و”لكل حادث حديث” كما قالت في ردِّها على البرهان، وهنا لا تقصد صناديق الانتخابات كما أسلفنا، وإنما تقصد صناديق الموتى *(التوابيت)*، وستخوض مع البرهان معركة *كسر العظام* بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فهذا الصدام حتمي ووشيك، وإن كان الإسلاميون يريدون تأجيله إلى ما بعد تسوية الأوضاع مع قوات الدعم السريع، لكن يبدو أن البرهان الذي يعلم كعسكري صعوبة بل استحالة سحق الدعم السريع، إضافة إلى أنه مورّط بواسطتهم في *الداعشية* والمذابح الجماعية واستخدام *السلاح الكيماوي المحرّم*، لذلك لا يحبّذ نفس التوقيت.
العالم من حولنا، المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، لا يريدون أن يروا *”كيزان ودواعش”* في سدة حكم السودان مرة أخرى. ومع صعود الحزب الجمهوري في أمريكا وتولي ترامب السلطة، فإن فرص استمرار التحالف بين البرهان والإسلاميين تلاشت واندثرت، لذلك لا خيارات أمامهما سوى المواجهة الدامية، فمن يتغدَّ بخصمه أولًا، لن يحتاج إلى عشاء.
لست مثل سيدنا المسيح *- عليه السلام وله الاحترام -* عندما يصفعني أحدهم على خدي الأيمن أدير له خدي الأيسر، وقد كال لنا البرهان الصفعات، حتى لم تتبق في الوجه مساحة للصفع أو الصفح، وليس لدي ما أقوله له هنا، سوى: *”يداك أوكتا وفوك نفخ”*. بل إني أقرب اليوم لمنطق “الحجاج الثقفي”، وأقول له كما قال – بتصرف : “إني أرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها، وإني لأرى الدم يترقرق بين العمائم والكاكي”، *فكن جزارًا قبل أن تكون لحمَة*.