خطاب البرهان.. أحلام اليقظة والأوهام المرتدة
صلاح جلال
1
الفريق البرهان هو شخص غير موثوق به من تجربة الخمسة أعوام الماضية، فهو القائد العام الذي في عهده تم تدمير السودان تابعت عبر الوسائط ولولة وصياح الكيزان ضد خطابه الأخير أتفق معهم في تحليلهم وأختلف حول المطلوب لمواجهة الخطاب، نتفق أن البرهان لايستحق الثقة وإذا إعتمدوا عليه حاقت بهم الندامة، وقوفه ضد الكيزان لا يعني بالضرورة أنه سيقود البلاد نحو الأفضل أو في إتجاه قوى الثورة، هو ملتزم ببرنامج لإضعاف الدولة وقيادتها نحو المزيد من عدم الإستقرار.
فهو خِصم لكل القوى التي لا تسند طموحه الشخصي، فهو ضد الكيزان وضد تقدم وضد لجان المقاومة.
يلاعب كل هؤلاء بمسطرة طموحاته في السيطرة والإستحواذ على السلطة، هو مع نفسه فقط ومجموعة صغيره إنتهازية بمقدوره التحكم فيها .
لكن لا يوجد ما يدعوا للقلق، فالبرهان نواياه إتضحت منذ قيامه بإنقلاب ٢٥ إكتوبر ٢٠٢١م، ليؤكد أنه ضد التحول المدني الديمقراطي، ويتطلع لتوظيف كل التناقضات السياسية والمجتمعية للإحتفاظ بالسلطة، يناور بالكيزان ضد الحرية والتغيير ويناور بالدعم السريع لردع القوات المسلحة ويناور بلجان المقاومة لتقسيم الشارع الثوري، في كل الأحوال ليبقى هو شخصياً مركز الأحداث ممسكاً بكل الخيوط على رأس الملعب .
2
الفريق البرهان مستعد لرهن السودان للخارج أي خارج تتوقعه أو لا تتوقعه (من إيران إلى إسرائيل ومن روسيا إلى أمريكا)، وهو داخلياً مستعد لبيع أي قوى سياسية تشكل عبأ على مشروعه الشخصي من الكيزان إلى تقدم، من اليسار إلى لجان المقاومة، يجب على القوى السياسية التعامل بحذر مع رجل بهذه المواصفات، حلفائه الحاليين وخصومه في نفس الوقت فهو بلا ضمانات لأحد لا يحكمه برنامج ولا مواثيق ولا حتى عهود رُجال شفوية، رجل مع نفسه ضد الكل، فالجميع لديه بيادق بما فيها الدماء والأشلاء التى خلفتها حربه الراهنة على كل أهل السودان، التي يتطلع لتوظيفها لتأسيس شرعيته الجديدة، أقول للكيزان إن لم تبكوا اليوم فستبكون غداً من طعنة البرهان النجلاء القادمة إذا إتضح له أنكم عقبه أمام مشروعه السياسي.
كل من يضع الفريق البرهان مِحور ومركز لمشروعه السياسى سيندم ويسف التراب، [الكلام ليك يا المنطط عينك داخل القاعة].
3
المهم والجيد خلال هذه الخمسة أعوام الماضية هي سنوات كاشفة لكل عيوب الواقع السياسي في البلاد، وباهظة التكلفة للشعب السوداني، ولكن العزاء لايوجد تعليم مجاني No Free Meal ، لقد عرفنا الكيزان (الأخوان المسلمين) وخبرناهم من تجربة ثلاثين عام مضت، لاتوجد زاوية مظلمة لا نعرفها عنهم أصبحت لدينا مناعة ذاتية في معرفة ومقاومة تكتيكاتهم للسيطرة والإستحواذ على السلطة، وخبرنا كذلك القوى التقليدية الأمة والإتحادي مراكز ضعفهم وقوتهم، من خلال زياراتهم خفيفة الظل لمركز السلطة منذ الإستقلال وإبعادهم بالإنقلابات العسكرية وعدم قدرتهم على تأسيس نظام سياسى مستقر وقادر للدفاع عن نفسه، يتولون السلطة بالإنتخابات قبل إكتشاف المداخل والأبواب يعزف المغامرون موسيقى الإنقلابات رأس الرمح فيها ضباط يتطلعون للحكم وخلفهم مجموعة سياسية وطنية يستغلونها ومن ثم يتخلصون منها بعد إستتباب الأمر لهم، من خلال سند إقليمي ودولي أو مقاطعة شاملة لدول العالم والإحتفاظ بالبلاد رهينة، في كل الأحوال يستفيق الشعب من صدمته ويجتهد في تصحيح المسار بالثورة المستمرة ويدفع تكاليف فى المقاومة، ضد إبراهيم عبود وخلفه تيار من الأمة والإتحاديين وبسند من مصر الناصرية، وضد نميري الذي تولى السلطة بسند من الشيوعيين والقومبين العرب ودعم من مصر عبدالناصر، وضد المخلوع البشير وخلفه حركة الأخوان المسلمين وبسند من مصر حسني مبارك إقليمياً، ومباركة صامته أمريكية لعدم رضاهم عن الحكم الديمقراطي بقيادة الصادق المهدي .
4
السؤال هل هذه الدوامة صدفه تاريخية وقدر محتوم لمسيرة الشعب السوداني. ؟؟ أم أنها نتيجة لغفلة واقع وطني لم يكتشف طريقه للتقدم خلال فترة ما بعد الإستعمار !! أم أنها مؤامرة إقليمية ودولية على السودان من أجل السيطرة على الموارد وفرض الأجندة؟ هل أجابت القوة الوطنية على هذه الأسئلة وقتلتها بحثاً لمعرفة حقيقتها، حتى تضع البلاد على بداية الطريق الصحيح !! الإجابة [ لا ] إلى الآن لا يوجد تفكير إستراتيجى في البلاد الكل مشغول بتكتيكات الوصول للسلطة والحكم مثل كلب القرية الذى يلهث خلف كل عربة جارية إذا توقفت يعود أدراجه لإكتشافه أنه يجرى بلا هدف من مطاردتها ، هذا هو حال الجميع عسكريين ومدنيين منذ الإستقلال، هذا الضعف في التفكير الإستراتيجى فتح أبواب البحث عن ظهير للتدخلات الخارجبة الإقليمية والدولية لإستخدام الساحة الوطنية المحلية رقعة شطرنج للمنافسة البينية في لعبة الأمم المشروعة من أجل المصالح والسيطرة والنفوذ والحروب بالوكالة .
5
خطاب الفريق البرهان أمس ضد الكل ومع نفسه ومشروعه الخاص، كل من يعتقد أنه في مصلحته واهم فهو كأس دائر [حلو مر] اليوم لك وغداً عليك، الثابت الوحيد فيه الفريق البرهان وطموحه الشخصي، لكن الحقيقة المهمة أن الساحة السياسية الوطنية والشارع العام أصبح لديه وعي ومعرفة بهذه المناورات الخائبة، وهناك أهداف أصبحت أيقونات فى عنق الحقيقة أولها ضرورة أن يكون الحكم بقيادة مدنية وأن يتم إعادة تأسيس قوات مسلحة وطنية مهنية محترفة بمشاركة متوازنة لكل قوميات البلاد وجهاتها من القمة الى القاعدة، لا تتدخل في السياسة وتخضع للحكم المدني لابد من إنعقاد مؤتمر قومي دستوري يعالج الأزمة الوطنية المتفاقمة بأفق إستراتيجى بلا إقصاء ويراجع التجربة السياسية منذ الإستقلال إلى حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣م كتاريخ فاصل للقطع بين الماضي السالب والنظر إلى الحاضر والمستقبل ولابد من تاسيس صارم للعدالة ووإقرار سياسة عدم الإفلات من المساءلة والعقاب ومحاربة الفساد .
6
ختامة
حديث الفريق البرهان عن تشكيل حكومة يُفّصلها على مقاس مشروعه السياسي غير مزعجة، فهي حمل خارج الرحم إذا تم تشكيلها ستولد ميتة وفاقده للشرعية والبرهان اليوم في أضعف حلقاته السياسية بعد هذه الحرب المدمرة التي تحتاج لجبهة وطنية عريضة متماسكة تحقق الرضا والإستقرار الداخلى لمواجهة تحديات إعادة بناء ما دمرته الحرب حكومة ذات قبول إقليمي ودولي تتمكن من إدماج البلاد في مجتمع التنمية الدولي وترفع العقوبات والمقاطعة العالمية للسودان، تشكيل حكومة معزولة داخليا ومعاقبة ومحاصرة دولياً، تُسهل مقاومتها وإسقاطها بثورة شعبية حاسمة تقطع الطريق على كل المتربصين وتضع أساس جديد لمستقبل السودان، الهدف الرئيسي أمام القوى الوطنية يجب أن يكون وقف الحرب وإسكات صوت البنادق وإستعادة الشارع المدني الديمقراطي وهو سيد نفسه وصاحب القرار ونحن معه في كل إختياراته الحرة بأدواته المجربة التظاهر والعصيان والإضراب العام، ماعدا ذلك هرطقات عجولة [تجهيز للقُران قبل البقر] لاتحتاج لكبير إهتمام، أوقفوا الحرب والقتال وإستعيدو الشارع المدني السياسي سيقوم الشعب بإملاء الأجندة وفرضها على رؤوس الأشهاد وعلى الجميع الإنصياع لسيد نفسك ميين أسيادك سيدي الشعب الأسمر إذا أطل في فجرنا ظالم .