كتيبة البراء = جرادة في سروال
![](https://i0.wp.com/www.assayha.net/wp-content/uploads/2025/02/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B6%D9%84-%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3.webp?resize=343%2C468&ssl=1)
كتيبة البراء = جرادة في سروال
الفاضل عباس محمد علي
جاء الضباط الأحرار، محمد نجيب وعبد الناصر وزملاؤهم، إلي السلطة في يونيو 1952 علي جناح الأمريكان والإخوان المسلمين، وكوفئ الإخوان بتعيين ممثلهم احمد حسن الباقوري وزيرا للأوقاف، ولكنهم لم يكتفوا بذلك لما استطعموا الحكم، وحاولوا اغتيال عبد الناصر بعد نيف وعام في منشية البكري، ففتك بهم وأعدم شيخهم عبد القادر عودة، ثم حاولوها مرة أخري عام 1967، فأعدم سيد قطب وظل ينكل بالباقين حتى نهاية عهده.
ونحن في السودان أمام تكرار للتاريخ في شكل (ملهاة)، أو كما قال ماركس: (التاريخ يعيد نفسه: دراما محكمة أول مرة، ثم ملهاة عبثية ثانية.) فلقد بدأ الأخوان يظهرون للسطح كحلفاء للجيش في حرب الكرامة (بمسمي كتائب البراء)، ولكنهم مصحوبون بدوي إعلامي يعطيهم أكبر من حجمهم، فتخوفت باقي الفصائل السياسية من التغول والطمع والاستئثار الذي جبل الإخوان عليه، خاصة وقد تزودوا بخبرة في الحكم والانفراد بالسلطة دامت ثلاثين عاما، ما زالت آثارها مجسدة في وجودهم الكثيف بأجهزة الدولة، ( كجراده في سروال؛ هو ما بعضي، لكن وجوده ما زين).
لقد ظهرت تباشير التغول الكيزاني في بعض المناطق، وأعلنوا عن أنفسهم بطقوس معروفة وقميئة، مثل الباندا الحمراء حول الرأس واللحية الكثة التي يمنعها قانون الجيش، والهتافات الكيزانية المعروفة. ولا أًتوقع حرباً بينهم وبين الجيش كتلك التي أقدم عليها عبد الناصر مع حاضنتهم الأم الأولى في الكنانة. ولكن لا شك وجودهم خميرة لعكننة وفتنة قد تكون هذه المرة أشد هؤلاء ومضاضة من تلك التي عاشها السودانيون مع الجنجويد. وأرى أن الحل يكمن كذالك في دروس التاريخ:
فقد طلب الامبراطور الفرنسي ماكسمليان (نابليون الثالث) من الخديوي العثماني سعيد مده بفرقة سودانية كاملة الدسم لإخماد تمرد في مستعمرته بالمكسيك 1863 /1867 , وتوجهت الفرقة لهناك، مكونة من القبائل الشمالية، الشايقية والجعليين والمحس والجنوبيين والنوبة، وأدوا المهمة برجولة ونجاح تام، ومن استشهد منهم كان بسبب الملاريا وليس الرصاس. وفي طريق العودة مروا بمارسليا، حيث كرمهم الامبراطور بنياشين لكل فرد منهم، وضاعف لهم العطاء. ولكنهم أنزلوا للتقاعد على الفور، وتم تشتيتهم في أصقاع الأرض السودانية. ولما جاء المؤرخ البريطاني رتشارد هل والقي محاضرة عنهم بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم في الثمانينات قال إنه ما انفك يبحث عن ذريتم وأحفادهم ولم بجد لهم أثرا. وكان الهدف من وراء ذلك التشتيت استراتبجيا، أي عدم السماح لمثل هذا النوع من المنازعة في السلطة، إذ أن النصر العسكري قد يسكرهم ويطمعهم في الحكم الذي كان حكرا للقوى الاستعمارية علي امتداد العالم الثالث.
لذلك، أرى أن يتم تكريم كل المدنيين المشاركين في حرب الكرامة، ثم جعلهم يتوارون في تلافيف العمق السوداني. فمن نافلة القول أن شعب السودان لا يريد أن يعيش تجربة كتلك التي عاشها طوال حكم البشير ورهطه الاخوان المسلمين، وثانيا، إن ثورة ديسمبر ما زالت متقدة في وجدان الجماهير، وشعاراتها حية ترزق : حرية سلام وعداله، وهذا ما يتنافي مع الحكم الشمولي كيزانيا او بعثيا او شيوعيا. هذا السودان الجديد الذي بشرت به ثورة ديسمبر يعني أن تتمخض عنه ترتيبات انتقاليه من مجلس السيادة وحكومة تكتوغراط مستقلين وطنيين ومجلس حكماء (لويا جيرقا)، يضطلع بمهام التشريع اثناء الفترة الانتقالية وحتى قيام الانتخابات الشرعية النزيهة خلال ثلاث سنوات.. هذا أو الطوفان.