الاستسلام الذي أغلق كافة الأبواب وفتح باب الجحيم
سارا مالك السعيد
لم تشهد أُمَّةٌ إقتراب نهاياتها المفجعة بأعين مفتوحة
جافاها الدمع وقلوب كسيرة تنبض بالموت كما يفعل السودانيون ذلك بأنفسهم وهم يتدافعون الآن نحو نهاياتهم بخطىً متسارعة وخيارات عقيمة يَسْتـَجْدونَ من خلالها الرحمة والعطف من جيش الدواعش الإسلاميين، ويبيعون “كرامتهم” لكل من يُبدي إستعداداً لشرائها حتى لو كان الهدف من ذلك سَحْقَها والدوس عليها دون رحمة، معتبرين أن إستعطاف الإخوان المسلمين وإستجداء فتاتهم أكثر جدوى وأهمية من دعم من يناضلون من أجلهم أو من اجل استنهاض الأمة للدفاع عن حقوقها المسلوبة .
الحقوق السودانية أصبحت أضحوكة ومهزلة تلوكها ألسن العديدين ومنهم بعض الموتورين من أبناء النخب الذين يعتبرون أنفسهم الأكثر فهماً لمصالح السودان والأكثر تقديراً لمتطلباته، وهم يسعون بذلك إلى تبرير انهزاميتهم وقصورهم الفاضح في خدمة بلادهم وشعوبهم منطلقين من الفرضية بأن خدمة مصالح النخبه النيليه الحاكمة يجب أن تكون في صلب الأولويات الوطنية لأي نظام او حزب او اي جهه تطمح في اعتلاء السلطة وهي ما يضفي الشرعية على أية اجراءات أو قرارات أو سياسات يتم اعتمادها والعمل بها لصالح هذة النخب بإعتبارها تمثل “المصالح الوطنية للسودان”.
استنهاض المشروع السوداني تحت ضغوط وتحديات الإحتلال والهيمنة المصرية على القوات المسلحة السودانية والتنمية الاقتصادية والتبعية السياسية لمصر لم يكن من المفروض والمنطقي أن يكون الخيار الأول والأكثر مثالية وملاءمة لمصالح السودان، ولأن ذلك لن يحدث، جاء الخيار الحقيقي في النهاية مختلفاً ومتناقضاً مع المنطق والمصلحة العامة للسودان. أماّ استنهاض السودانيين فهو أمر لم يعد ممكناً بسهولة بعد أن أمضت الأنظمة السابقة عقوداً وهي تطحن وتكسر إرادة الشعب السوداني لصالح تنمية مفهوم الانصياع والولاء الأعمى والتبعية، وتدفع بها بالتالي في اتجاهات معاكسة لمصالحها وللمصلحة القومية مقتربة بذلك من الهدف المصري ومن قبول الاستعمار المصري الجديد للسودان بإعتباره أمراً واقعياً وبإعتبار التعامل معه هو الخيار الأكثر عملية والأقرب إلى مصالح الشعب السوداني .
الدعم الإقليمي والدولي لِحَقّْ السودانيين وهدفهم في بناء دولة مدنية ديمقراطية مستقرة ومستقلة من كافة ممارسات الوصاية المصرية الهادفة إلى تمزيق وتفكيك السودان هذا هو نوع الدعم الذي يحتاجه السودانيون من العالم. الهدف من هذا الحديث ليس تجريم مصر وإلقاء اللوم عليها وإنما تبيان الحقيقة وإلقاء مسؤولية الضعف والهوان السوداني على أكتاف الإسلاميّين وجيشهم المجرم. وبالإضافة إلى ذلك فإن الأنظمة العسكرية في السودان وليس السودانيون هي من دعمت الهيمنة المصرية ودورها الآثم في التعاون مع الإخوان المسلمين في السودان مما شجع أخوان السودان على إنهاك الـدولة السودانية ومقدراتها واحداث المزيد من الفوضى والحروبات الداخلية وخَـلَقَ بالنتيجة حالة ضاغطة بشكل متفاقم على الشعب السوداني أدت في الـ15 من أبريل 2023 إلى انفجار الأوضاع في السودان .
إن التعقيـدات التي تغلف القضية السودانية تنبـع من كونها قضيـة وطـن وليست قضية سياسية قابلة للتجزئة. فالوطن هو وحدة واحدة، وهو إطار جامع ولا يمكن تقسيمه إلى أجزاء بعضها سياسـي وبعضها قبلي وعرقي وبعضها الآخر اقتصادي. السودان هو إطار جامع لشعـوب السودانية، والمسؤولية الوطنية هي إطار روحي للشعـوب السودانية ومن هنا تجئ المسـؤولية الوطنية في حمـاية السودان وصون أراضيه وحفظ وحدتة وسيادته في الوطن من سطوة الاستعمار المصري الحديث ومحاولاته المستمرة لتهويد السودان واراضية وسرقة مواردة وتاريخه وارثه إنطلاقاً من النظرة العنصرية الإقصائية الإستعلائية الضيقة .
واذا ما شاء المستعمر المصري أن يتنكر لسيادة الدولة السودانية أو أن يتجاهلها أو يُحْجِم عن دفع الثمن المطلوب للتدخل السافر في السودان ، فالمسؤولية الأخلاقية والوطنية تقع على القوات المسلحة التي خانت الشرف وخانت الوطن والسودانيين.