حرب الإسلاميين على السودان .. النسيان أم التناسي؟
حرب الإسلاميين على السودان .. النسيان أم التناسي؟
سارا مالك السعيد
إن أكثر ما يخشاه المرء هو النسيان أو التناسي في موضوع يلعب فيه الرأي العام والضغط القادم من دول ومؤسسات دولية دوراً هاماً في ظل غياب التكافؤ العسكري القادر على وضع حد لمذابح الجيش السوداني والكتائب الإرهابية اليومية والدمار المتواصل لأقاليم ومناطق السودان المختلفة.
الزمن هو في العادة سلاح من يريد النسيان ، أماَّ من يريد التناسي فهو يبحث عن الاعذار والأسباب لفعل ذلك بغض النظر عن عامل الزمن . هل يجابه السودانيون الآن مزيداً من القتل والتدمير من خلال نسيان أو تناسي الجميع لمعاناتهم وبالتالي إطلاق يد الكتائب الإسلامية المتطرفه والجيش لفعل ما تريد عسكرياً ومن ثم سياسياً ؟؟ هل إختار السودانيون الآن ومعهم العالم الدخول في مرحلة النسيان وحقبة التجاهل للمذابح الدائرة في ولاية الجزيره وأم روابة وبحري وسنجه واعتمدوا التركيز على تقسيم السودان كبديل مقبول كيزانياً؟.
بالنسبة لحروب الإسلاميين على السودانيين فإن النتيجة واحدة سواء أكان استمرار المعاناة نتيجة للنسيان أو للتناسي، علماً أن الألم المرافق للتناسي هو أكثر بكثير من الألم المرافق للنسيان خصوصاً إذا جاء التناسي من قـِبَلْ السودانيين انفسهم. فالنسيان في العادة هو جزء من الطبيعة البشرية وهنالك ما يجعل من النسيان نعمة مثل نسيان الأحزان أو فقدان الأحبة، أما التناسي فهو فعل مقصود وأكثر صوَرِهِ قتامة تتعلق بالجرائم والمآسي ذات الطبيعة الشاملة والظالمة مثل التدمير الشامل والمذابح التي يقترفها إرهابيو السودان ضد السودانيين بدوافع عرقية وعنصرية ومنذ أكثر من ثلاثين عام وبشكل متواصل، فالتناسي في هذه الحالة يصل إلى حدود التواطؤ الذي يسمح للمجرم بالإستمرار في جريمته. راحة الضمير قد تأتي من النسيان أحياناً ولكنها لا يمكن أن تأتي من التناسي، بل على العكس، فإن التناسي قد يؤدي من خلال آثاره السلبية والدموية إما إلى تعذيب الضمير أو إلى خلق حالة من التعب أو القلق النفسي الذي يرافق الشعور بالذنب . وعلى أية حال ، فإن الإسلاميين لا يحتاجون إلى عذر لإرتكاب جرائمهم ، كما لا يرغبون في أي ضغوط لوقفها ، مما يجعل من النسيان أو التناسي حالة تتناسب مع العقلية الإجرامية الكيزانية وأهدافها كونها تفتح المجال أمامهم للإختيار ولإستغلال ما يتمخض عن النسيان أو التناسي لخدمة أهدافهم .
لا ينسى الإسلاميون مثلاً الذل الذي لحق بهم على خلفية ثورة ديسمبر التي أطاحت بهم وقضت على أحلامهم في حكم السودان إلى الأبد وامتيازاتهم التاريخية التي ورثوها من مستعمر أجنبي دون حق، بينما يتناسون ما يقومون به منذ عشرات السنين من عمليات اجرامية بحق الشعب السوداني مهما بلغ ذلك الاجرام من تمادٍ يتعارض مع القانون الدولي والانساني. الإجابة على مثل ذلك التساؤل تتلخص ببساطة في أن الإسلاميين يستخدمون كِلَا المسارين : النسيان والتناسي لخدمة أهدافهم ، وليس كما يفعل السودانيون بحق أنفسهم والعالم بحق السودانيين. النسيان أو عدم النسيان والتناسي تصبح إذاً أدوات سياسية لخدمة مسارب وسياسات معينة ، أو لدعم سردية ايديولوجية متطرفة إختيارية تنتقي منها الحركة الإسلامية السودانية ما تشاء وتُغْفل ما تشاء لتَفـْعَلْ ما تشاء .
إن إعادة تشكيل التاريخ والواقع يتطلب القدرة على والرغبة في استعمال سلاح النسيان والتناسي بشكل انتقائي يُمَكنّ الجهة الفاعلة ، وهي في هذه الحالة الحركة الإسلامية، من ارتكاب ما تشاء من إجرام ومعاصي وأكاذيب بإعتبار ذلك حقَّا لها دون غيرها ودون أي إعتبار للقانون الدولي أو الانساني . في الوقت الذي تستعمل فيه قوات الدعم السريع تلك الخيارات لدعم موقفها أو سياساتها الهادفة إلى عدم إستمرار الحرب او استعادة المسار المدني الديموقراطي وهكذا ، يتحول النسيان أو التناسي من سلوك إلى سلاح ضغط ، فيما لو إستعمل كوسيلة لتبرير سلوك مُعَيَّنْ أو سياسات أو التغاضي عنها بشكل يسمح بإستمرارها كما يجري الآن في السودان منذ عامين.
التناسي ويشمل الإهمال والتغاضي في حالة الصراع في السودان هو في واقعه قرار سياسي عن وعي وادراك يتجاهل ما يجري أصلاً من حروب وأهوال، ويتجاهل تبعات تلك الحروب من قتل وأعمال إبادة جماعية وتدمير . الإهمال في هذه الحالة يهدف إلى الادعاء أو التظاهر بعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي وكأنه لا يوجد ما يبعث على القلق أو الغضب أو الرفض . وفي هذه الحالة ترقى حالة الإهمال ، عندما تعني إهمال العدوان ونتائجه ، إلى درجة قبول ذلك العدوان ونتائجه دون الافصاح الفعلي عن ذلك .
يتم التعامل الآن مع مصطلحات تعكس خيارات تتبناها دول المنطقة والعالم بأشكال ودرجات مختلفة تعكس إما حالة الإفلاس السياسي والأخلاقي أو غياب الخيارات الأخرى التي قد تشكل مواقف أكثر حزماً وفاعلية في التعامل مع الصراعات الدائرة الآن في إقليم الشرق الأوسط .
اللجوء إلى النسيان أو التناسي والإهمال يعطي مؤشراً في حالات الصراع على موقف الدولة التي تلجأ إليه بمعنى أن النسيان أو التناسي يعطي مؤشراً على القبول أو الانصياع دون الحاجة إلى الإعلان عن ذلك الموقف منعاً للإحراج أو خشية من ردود فعل الآخرين أو حتى الشعب المعني على مثل هذا الموقف .
النسيان أو التناسي هي ظاهرة سلبية ، ومن الخطأ اعتبارها تعبيراً عن اللامَوْقِفْ كما يُهيأ للبعض ، فهي بحد ذاتها موقفاً في طبيعته ، فيما إذا كان موقفاً سلبياً أو فاعلاً ، تتوقف على أين تقف هذه الدولة أو تلك من الصراع المعني . هنالك أنماط من الصراع لا يجدي معها النسيان أو التناسي لأن ذلك يعني الاستمرار بل والمغالاة في البطش والتدمير ، ومثال على ذلك حروبات الحركة الإسلامية المستمرة على السودانيين.
. وسياسة اللاموقف من خلال النسيان أو التناسي تعني في الحقيقة الموافقة الضمنية والقبول الصامت وهذا الأمر على الجميع أن يستوعبه وعلى رأسهم القوى المدنية في السودان. إن مثل هذا الصراع لا يحتمل إلا الموقف الواضح الصريح الرافض بشكل حاسم وعلني ومتفاعل في رفضه للحركة الإسلامية وجيشها حتى يمكن ايقاف حلقة العنف ، وبخلاف ذلك فإن موقف النسيان أو التناسي سوف يكون أقرب ما يكون إلى الموافقة الخجولة برداءتها والتي تعكس في نتائجها المقوله التراثية “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.