Site icon صحيفة الصيحة

السودان ما بعد حالة الفوضى

السودان ما بعد حالة الفوضى

سارا مالك السعيد

يغرق السودان الآن في طوفان من الجوع والقتل وفقدان السيطرة، لا قيادة حقيقية على الأرض، تيه بشري يبحث عن حاجاته الفسيولوجية من أجل البقاء على قيد الحياة، لا أمل سوى هذه الأمنية فقط .. الحصول على رغيف الخبز!

‏‎تتحكم الأن العديد من العصابات التي تشكلت بروابط أيديولوجية، وأخرى قبلية بشكل فردي بعد انهيار التنظيم الفعلي للجيش السوداني والمنظومة الشرطية والأمنية منذ أول يومين في الحرب وفقدها القدرة على التواجد على الأرض من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من التنظيم، هذا كله خطط له في اجتماعات الإسلاميين من أول أيام الحرب، وربما من قبلها، وقد تحقق بفعل استعمال فائض كبير من القوة العسكرية مما أدى إلى إحداث شلل حقيقي في قدرة الجيش والمنظومة العسكرية وباقي المنظومات التابعة له من العمل على الأرض لتسيير حركة النازحين والفارين من الحرب وحفظ أمنهم بشكل يحافظ على النظام بحده الأدنى.

البرهان لا يعترف بفقدانه السيطرة على الأرض، لكنه يعلم ذلك والشارع السوداني أيضاً يعرف كل التفاصيل ويتعامل وفق هذه المعطيات، فقد برزت العديد من الأسماء التي تعمل وفق تخطيط عصابي يقوم بالسيطرة على المساعدات بالقوة العسكرية ومن ثم ضخها في الأسواق ضمن تخطيط معين، لم يحاول  البرهان وجهاز أمن الحركة الإسلامية السيطرة على هذه الحالة لكنها شاركت فيها وبشكل فعال، هذا الفشل يقودنا بالضرورة إلى حالة الفوضى التي تحدث في الشارع والتي ينتج عنها العديد من حالات القتل والبلطجة وأخذ القانون باليد من قبل عصابات لا يمكن للمتابع أن يحدد من هي؟ وكيف يتم دعمها داخلياً وخارجياً؟ وما هي ارتباطاتها بالإسلاميين والجيش نفسه؟ والشكل الذي سوف تنتهي عليه عندما تأتي مرحلة القضاء على الفوضى التي يسع لها الدعم السريع عبر حكومة السلام المرتقبه ولعلها ستكون أولى تحديات الحكومة الشرعية التي ستورثها الحركة الإسلامية والجيش للسودان الجديد.

الفوضى في السودان الآن ليست عبثية بل منظمة بشكل جيد من أجل طحن ما تبقى من نسيج اجتماعي بعد عامين من الإبادة الجماعية والوصول إلى المجتمع الحيواني المنهك، فالذي لم يتحقق بالقتل الجماعي والاستهداف، يتم استكماله من خلال خطة التجويع وتجفيف مصادر الدعم للمنظمات الإغاثية التي تستطيع تقديم الخدمات بشكل منظم يمنع الوصول إلى حالة الفوضى العارمة التي تقضي على أي شكل من أشكال السيطرة المدينة التي تتميز بها الأنظمة الحضرية.

السودان الآن بلا منظومة أمن، بلا مؤسسات محلية، بلا رموز مجتمعية وإن توفرت بعض الأسماء فهي تفتقد تماماً للأدوات التي يمكن من خلالها فرض حالة النظام، الجوع والقتل وعدم وجود متر مربع آمن في السودان جعل الجنوح للسلامة الفردية هو السبيل الوحيد للحفاظ على الحياة، لقد نجحت الحركة الإسلامية في تكسير المجتمع السوداني الذي لم يظهر فيه المجتمع الحضري منذ سنوات عديدة، و لكن تعرض السودان لهذا الفائض من قوة البطش العسكري أفقدته توازنه، بل دمرته كليًا،  وجعلت من الصعب لأي نظام أن يصمد أمام حجم البطش الممارس ضد السودانيين بشرًا وحجرًا وشجرًا.

نحن أمام سودان جديد كليًا بعد انتهاء حالة الإبادة، سنكون أمام جغرافيا جديدة لمدن وأقاليم  السودان وأحيائه، هذا الزلزال الذي حصل ستكون له ارتدادات كبيرة على الحالة الوطنية السودانية بشكل عام، ولكن هل سيكون هناك توافق سوداني داخلي على إستغلال ذلك الحدث للوصول إلى قاعدة مشتركة للنضال؟.

Exit mobile version