Site icon صحيفة الصيحة

الإنتهاكات المتكررة وثقافة الإفلات من العقاب

الإنتهاكات المتكررة وثقافة الإفلات من العقاب

صلاح جلال

1

منذ إندلاع الحرب العبثية فى السودان في 15 أبريل 2023 فتحت طاقة جهنم ضد المواطن والقوى المدنية بمصادرة كل أدوات السياسة المعتادة وسيادة المسلحين على المشهد، بإرتكابهم مختلف انواع الإنتهاكات من جرائم إحتلال المنازل ونهب الممتلكات وقتل الأبرياء وإغتصاب النساء والقصف الجوى العشوائي على الأسواق والمؤسسات الحيوية والمدفعية الجائرة التى راح ضحيتها الألوف من المدنيين، نسمع خطابات إستنكار وإدانة لكل الإنتهاكات، ولكننا نشهد غياب العدالة والإفلات المستمر من العقاب وتكرار للإنتهاكات وتبادل الأدوار ضد المدنيين بين القوات المسلحة وحلفائها .

2

لم نرى محكمة واحدة لإدانة الجناة الذين يوثقون جرائمهم  بأيديهم وهم في منتهى الإطمئنان للإفلات من العقاب !! بالأمس بعد إستعادة القوات المسلحة والمليشيات المتحالفة معها لمدينة ودمدني حاضرة الجزيرة شهِدنا إنتهاكات فظيعة ضد المدنيين في الكنابي وبين شباب لجان المقاومة والخدمات ممارسات بشعة  منها القتل العمد بالرصاص دون محاكمة وقتل جماعي لمدنيين بتهمة التعاون مع الدعم السريع ، ممارسات تشكل جريمة حرب مكتملة الأركان، هل سيفلت الجناة من العقاب المحلي والدولي كما هي العادة في السودان؟؟؟ من أمِن عدم العقاب ساء الأدب  .

3

سنناقش في عمود الراي اليوم كتاب مهم للمؤلف عمر نشابة تحت عنوان الإفلات من العقاب –  لماذا؟  وكيفية ضمان خضوع مرتكبي الجرائم للقانون !! ومحاصرتهم بجرائمهم، عبر وسائل وآليات لمعرفة أسباب وتحطيم قيود ثقافة الإفلات من العقاب خاصةً في البلدان التي شهدت أنظمة حكم إستبدادية أو صراعات وحروب أهلية  طويلة يستعرص الكاتب عدة أفكار ومفاهيم رئيسية تدور حول تبرير إستمرار مفهوم الإفلات من العقاب، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الظاهرة على نسيج المجتمع  وتغييب العدالة للضحايا وذويهم .

عرّف  الكاتب ظاهرة “الإفلات من العقاب على أنها حالة يتم فيها تجاهل أو تقاعس السلطات العدلية عن معاقبة مرتكبي الجرائم، خاصة الجرائم المرتبطة بالفساد السياسي أو الانتهاكات الحقوقية الصارخة ضد المجتمع، قد حدد المؤلف الأسباب التي تؤدي إلى الإفلات من العقاب، مثل ضعف المؤسسات القضائية وخضوعها للسلطة السياسية وغياب مفهوم  سيادة حكم القانون، وتسلط الأنظمة السياسية التي توفر الحماية للمتورطين في الجرائم من المؤيدين لها وداعميها .

4

ترتبط ثقافة الإفلات من العقاب بطبيعة النظام السياسي خاصة الأنظمة فاقدة الشرعية Legtimcy التي تأتي عبر الإنقلابات أو حكم الفوضى بأسباب تآكل شرعية الدولة الوطنية ومحاولة فرض شرعية متوهمة  تقوم على القهر والإغواء  وأدوات السيطرة على الجماهير، ناقش الكاتب كيف أن الأنظمة السياسية المستبدة أو القمعية تشجع على الإفلات من العقاب لأنها تسعى للحفاظ على سلطتها وقوة مؤسساتها ولا تستهدف العدالة وترسيخ الحقوق، تتخذ مثل هذه الأنظمة عادةً تدابير قانونية وسياسية لحماية منسوبيها  من المحاسبة، مما يعزز حالة من الفساد والظلم في المجتمع تقود لعدم  الإستقرار والحروب الأهلية، كذلك الفساد المؤسسي ودوره في تثبيت مفهوم  الإفلات من العقاب لضمان عدم المسائلة القانونية وقهر الصحافة والإعلام الحر ومصادرة الرأى الآخر وتجريمه.

5

الفساد  السياسي والإفلات من العقاب يؤدي إلى تقويض النظام القضائي وخضوعه لإرادة النافذين حتى تنشأ سلطة خفية ترهب الجميع داخل مؤسسات الدولة وخارجها، وتجعل الجهر بالحقيقة والمحاسبة أمراً شبه مستحيل يعرض المطالبين  بالعدالة لإنتهاكات خطيرة تهدد حياتهم .

6

أكد المؤلف أن  إستمرار ظاهرة الإفلات من العقاب يساهم في تدمير الثقة في مؤسسات الدولة، ويزيد من الشعور بالظلم والقهر  بين المواطنين، مما يقود لتفشي ثقافة العنف والانتقام وسيادة خطاب الكراهية كأدوات لتكريس ثقافة الإفلات من العقاب ، حتى يعتقد معظم الناس أن مبدأ سيادة حكم القانون ليست على الأقوياء ، حيث يتم تعريف القوة بأنها القدرة على تجاوز القانون وفعل ماتريد  وهي في حقيقة الأمر دعوة للبربرية وسيادة دولة الفوضى  Anarchy State .

7

ذكر الكاتب أن محاولات مكافحة ثقافة الإفلات من العقاب تقتضى حزمة من الإجراءات السياسية والقانونية  للإصلاح والتغيير ، أهمها إشاعة الحريات العامة وإصلاح المؤسسات العدلية وأجهزة تنفيذ القانون فى الدولة  ، فى حالة فشل محاولات الإصلاح السياسى والقانونى فى المجال الوطنى ، يبدا التدخل الدولى من  خلال المحاكم الدولية لتحقيق العدالة ووضع حد للإفلات من العقاب مثل المحكمة الجنائية ال ICC  لمحاسبة المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتصفية العرقية Genocide يبرز الكتاب أيضاً من بين آليات الإصلاح  أهمية تعزيز دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام الحرة في فضح الإنتهاكات و الضغط على الحكومات لتحقيق العدالة وجلب الجناة لمواجهة حكم القانون .

8

ختامة

يجب ألا تسقط جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم التصفية العرقية بالتقادم، ما يحدث في الجزيرة الآن يجب أن لا يفلت منتهكي الحقوق من ميزان العدالة مهما طال الزمن وتشكلت لحان التحقيق الوهمية لإمتصاص الغضب والهجمة الإعلامية الوطنية والدولية، لابد من الخضوع أمام العدالة مهما تباطئت السلطة السياسية وعجز القضاء الوطني، لينهض القضاء الدولي لملأ الفراغ، حتى لا ينام منتهك لحقوق الإنسان غرير العين هانيها.

لابد من صنعاء العدالة وإن طال السفر وبُعدت الشُقة

لن نصمت .

PrayForCanabi#

Exit mobile version