Site icon صحيفة الصيحة

قرار الخزانة الأمريكية.. إشارات خاطئة وفخ لإدارة ترمب..!!

الصحفي منعم سليمان

قرار الخزانة الأمريكية.. إشارات خاطئة وفخ لإدارة ترمب..!!

منعم سليمان

بإعلان وزارة الخزانة الأمريكية، أمس الثلاثاء 7 يناير، فرض عقوبات على محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، بسبب ما وصفته بدوره في “زعزعة الاستقرار وتقويض الانتقال الديمقراطي في السودان”، تكون الإدارة الأمريكية قد منحت الحركة الإسلامية السودانية وتنظيمها العسكري داخل الجيش، المُقوض الرئيسي للانتقال الديمقراطي والمُزعزع الأول للاستقرار في السودان، ما يشبه “صك براءة”، مما يتيح لهم المضي قدماً في مشروعهم الاستبدادي بمعاونة قائد الجيش لتحويل السودان مجدداً إلى نموذج لدولة ديكتاتورية ذات طابع ثيوقراطي.

إذاً، لم يكن قرار إدارة بايدن موفقاً، بل كان قراراً خاطئاً جانبه الصواب من جميع النواحي، وهو أيضاً غير متوازن؛ إذ إن ذات الحيثيات والحجج التي جاءت في قرار فرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع (حميدتي) تنطبق أيضاً على قائد الجيش (البرهان).

كان الشعب السوداني يتوقع منذ وقت طويل أن تفرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات مماثلة على ضباط الجيش المنتمين إلى الحركة الإسلامية، وهم معروفون بأسمائهم ورتبهم العسكرية، ويصرحون ليل نهار بانتمائهم العقائدي والسياسي. هؤلاء هم من عرقلوا مسيرة التحول الديمقراطي ووضعوا العراقيل أمام أي حل سلمي تفاوضي ينهي هذه الحرب المُدمرة.

ما لم تُفرض عقوبات مشددة على هؤلاء، فإن هذه الحرب لن تنتهي، وبالتالي فإن الشعب السوداني موعود بمزيد من القتل، والانتهاكات والجوع والتشرد.

الأمر اللافت في حيثيات عقوبات وزارة الخزانة على قائد الدعم السريع أنها تتحدث عن الأحداث في دارفور. وما شهدته دارفور يعرف الجميع الدور الذي لعبته استخبارات الجيش وتورطها في تلك الأحداث قبل أن تتطور إلى مذابح. كما أن ما تشهده مدينة الفاشر الآن من عمليات تتمثل في الزج بالمدنيين النازحين كطُعْم واتخاذهم كدروع بشرية داخل معسكرات النزوح، هو من عمل استخبارات الجيش بالتنسيق مع حركة تحرير السودان بقيادة أركو مناوي. وبالطبع، لا يمكن إعفاء قوات الدعم السريع من أي هجوم يستهدف المدنيين ويعرض حياتهم للخطر.

ومع انطلاق الحرب في 15 أبريل 2023، أصبحت استخبارات الجيش منقسمة إلى فرقتين: الأولى بقيادة اللواء صبير، المحاصر داخل قيادة الجيش، وقد استهدفته الإدارة الأمريكية بعقوبات سابقة منتصف ديسمبر الماضي، وأما الفرقة الثانية فهي التي تدير الحرب الحالية فعلياً، وتعمل من منطقة كرري العسكرية بأمدرمان، ويقودها الإسلامي اللواء حسن البلال، وهي فرقة تابعة بالكامل للحركة الإسلامية (التنظيم الإسلامي العسكري). هذه الفرقة الاستخباراتية الإسلامية هي التي تحيك المؤامرات وتدبر الانقسامات العرقية والقبلية وتقف خلف الكثير من الجرائم والفظائع التي رافقت الحرب. ومع ذلك، تجاهلتها الإدارة الديمقراطية تماماً، رغم أنها الأخطر على مستقبل السودان، إذ تمارس كل الفظائع والمؤامرات لإعادة الحركة الإسلامية إلى السلطة. لن تتوقف هذه المخططات دون بلوغ ذلك الهدف، ولو أدى ذلك إلى التخلص من البرهان نفسه، الذي أطلق يدها وأفسح لها المجال لتعيث فساداً ودماراً.

وعودة الحركة الإسلامية إلى السلطة هذه المرة ستكون بوجه أكثر تطرفاً وطغياناً وجبروتاً.

قرار فرض عقوبات على طرف واحد (قائد الدعم السريع) يرسل إشارات خاطئة إلى الطرف الآخر الذي يمثله الضباط الإسلاميون داخل الجيش (الحركة الإسلامية)، ويُشعرهم أن الإدارة الأمريكية راضية عنهم، رغم ما ارتكبوه من جرائم وفظائع ومذابح، إضافة إلى القصف الجوي المروّع على المدنيين – المستمر حتى اليوم – ومقتل المئات إن لم يكن الآلاف منهم حتى الآن. أثبتت الأيام أن إدارة الرئيس بايدن لا تعدّ ذلك من جرائم وفظائع الحرب التي تستوجب العقاب الرادع. فضلاً عن أنهم (عناصر الحركة الاسلامية) لن يحققوا انتصاراً حاسماً على قوات الدعم السريع، حتى لو استمرت الحرب مائة عام، كما يهددون، وأن أقصى ما يمكنهم فعله في نهاية المطاف هو تقسيم البلاد. فهل يمكننا فهم القرار على أن ادارة الرئيس بايدن داعمة لتقسيم السودان؟

من المعروف أن الإدارات الديمقراطية تميل إلى الانحياز لحركات الإسلام السياسي، باعتبارها تخفف من غلو وتشدد الإسلام الجهادي العنيف وتخلق حالة من التوازن في هذا الصدد. وهذا ما لخّصه الرئيس الأسبق باراك أوباما بمقولته الشهيرة التي تفيد بأن الإسلام السياسي هو الواقي والمنقذ من الإسلام المسلح. وهو ما سارت عليه إدارة الرئيس بايدن أيضاً، التي ترى في جماعة الإخوان المسلمين، أو “الحركة الإسلامية” في السودان، اعتدالاً مقارنة بالحركات الجهادية المسلحة مثل القاعدة وشباب المجاهدين الصومالية وبوكو حرام. لكن هذا التصور يعكس جهلاً كبيراً من قبل الحزب الديمقراطي بطبيعة الحركات الجهادية الإرهابية، التي تُعد جماعة الإخوان المسلمين منبعها ومصبها باعتبارها الحركة الإرهابية الأم، كما هو معلوم للجميع.

المُدهش في توقيت صدور القرار أنه جاء قبل أسبوعين فقط من مغادرة الإدارة الديمقراطية وحلول الإدارة الجمهورية مكانها. يبدو القرار وكأنه “فخ” وضعته إدارة بايدن أمام الإدارة الجمهورية القادمة، التي غالباً ما تكون أكثر دراية بخطورة الحركات الإسلامية وتطرفها ونزعتها الإرهابية.

علاوة على ذلك، فإن القرار الأخير بشأن فرض عقوبات على طرف واحد من أطراف الحرب، وما يرسله إلى الطرف الآخر ممثلاً في الحركة الإسلامية وقيادة الجيش التابعة لها من رسائل بأنها مرضي عنها من قبل الإدارة الأمريكية، يقوض أحلام الشعب السوداني بدولة ديمقراطية حرة، ويعيده مرة أخرى إلى الاستبداد الإسلاموي العسكري.

إن كان هناك ثمة أمل في الأفق، فإنه يأتي مع قدوم الإدارة الجمهورية القادمة في أمريكا، التي تستشعر، أكثر من سابقتها، خطورة الإسلام السياسي. كما أن الأمل معقود في نضال الشعب السوداني السلمي ووقوف العالم الحر والمجتمع الدولي ومناصري الشعوب المقهورة إلى جانبه، وقد عانى الشعب السوداني لأكثر من ثلاثين عاماً من عنف وفساد واستبداد الحركة الإسلامية ومليشياتها المسلحة وتنظيمها العسكري داخل الجيش السوداني.

Exit mobile version