على صفحته في “الفيس”، احتفل السلفي المتحضر رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بولاية شمال كردفان صديقي الدكتور صلاح حمدتو مع جمهور غفير من المُواطنين بالولاية بافتتاح محطة مياه أم حجر عليقة بمحلية أم دم حاج أحمد، وهي محطة أنشأت بتبرُّع سخي من المملكة العربية السعودية، شيّدتها المُتبرِّعة لؤلؤة بنت محمد بن أحمد الطريفي.. المحطة اُفتتحت في أغسطس 2019م وتحتوي على وابور وطلمبة صينية وصهريج مياه بلاستيكي من ماركة تايقر سعة (5000) لتر، ويُمكن لأيِّ تاجرٍ أو مُوظّفٍ صغيرٍ أن يرفع هذا النوع من صهاريج المياه على سقف منزله بالخرطوم، لكن الغلابة في الريف القصي لحاجتهم وسُوء حالهم قد احتفلوا بها كإنجازٍ ضمن استراتيجية زيرو عطش أو صفر مشاكل، في مشهدٍ يُوضِّح أبهى صوره.
عدم المُقارنة والمُقاربة لحال وأوضاع الريف السوداني وضروراته الحياتية واستراتيجية النخب السودانية التي تتصارع على السلطة من أجل حكم هؤلاء الريفيين الحمقى وكسب أصواتهم في الانتخابات.
إنّ الذي ينظر لحالة آلاف المُواطنين وهم يحتفلون لمُجرّد إنجاز بئر ماء تبرّعت بها مُحسنة من خارج السودان ويُقارنه بحالة النخب الخرطومية العملية من الذين تجد أحدهم بنى استراتيجيته العملية والفكرية كُلّها لا على الإنجاز الفكري حول حال البلد وأولويات سُكّانه، والبحث عن آليات رفعة الوطن، وتغيير الأحوال نحو الأفضل، بل بناها على إثبات شرور الإسلاميين أو الشيوعيين أو ضرورة التوبة، والكل يجتهد مع أصدقائه الخارجيين من أجل إبعاد خُصُومه من المشهد، وبمثل هذا التفكير القَاصِر، خرجت أولويات الريف السوداني من جدول تفكير واعمال النخب، وعندما شعر الريفيون الحمقى أن ثمة تجاهلاً مُتعمِّداً لهم يلوح في الأفق ومن كل جانبٍ وهو امتدادٌ لتجاهل قديم بدأوا يُفكِّرون، بل يتساءلون عن مصير دولة السودان الجديد، وأين أولوياتهم في أجندة الحُكّام الجُدد، وهل قِوى الحُرية والتّغيير ضمن أجنداتها قضايا الولايات واحتياجات أولئك الغلابة قاطنيها، الذين يتشوّق الكثير منهم إلى إنجاز بئر ماء كي يرووا بها ظمأهم، وفي نفس الوقت قادة الحُرية والتّغيير والحُكّام الجُدد يُصَمِّمون تفكيرهم على هُمُوم وأولويات المُترفين في شوارع الخرطوم وأزقتها وحواريها القديمة.
اليوم اللياقة الاجتماعية أو الصحة السياسية تقتضي أن يفكر الحكام الجدد في عاهات الريف السوداني المُستديمة، ووضع مُعالجات وتطبيب لها، وقيادة حملات منظمة لمُناهضة العطش والمرض والتسرُّب التعليمي بدلاً من أن توظف همّة الشيوعيين والنخب اليسارية ومن شايعهم في توجيه دعمهم الظاهر والمُستتر لمُحاربة جذوة الإسلاميين وهذا إشكال تفكيري في اتّجاه تدمير الذات والسودان، ويُحمد للإسلاميين في فترة السلطة أنهم ارتبطوا بالريف وتسلّلوا إلى عُمقه وأخرجوا كنوزه من الرجال والنساء وبعض الموارد، وفي ذلك سجّلوا نجاحات يتّفق الناس أو يختلفوا حولها، لكنها نالت إعجاب الريفيين وصارت من مكاسبهم التي لا يُفرِّطون فيها، ولذلك من الأوفق البناء على ما سبق من نجاحاتٍ والابتعاد عن المُشاحنات والصِّراعات التي ليس منها سوى تعميق الجراح والنكبات.