تقدميون إلى الخلف: تحديات تواجه التغيير.. حديث مع صديقي الشيوعي

تقدميون إلى الخلف: تحديات تواجه التغيير.. حديث مع صديقي الشيوعي

د. إبراهيم مخير

اتفق تماماً مع بورتسودان في هذا الأمر، نحن أيضاً لا نريد حكومة موازية:

نحن نريد دولة ذات سيادة بحكومة تمارس سلطاتها على كافة الأراضي السودانية، وتتمسك بوحدة البلاد.

وليخوض المفسرون في ذلك كما يشاءون.

أما فيما يخص دارفور، فالعرب ليسوا الإثنية الوحيدة التي تساند التغيير إنما قطاعات إثنية غالبة من القبائل والشعوب السودانية هنالك.

والدعم السريع هو بوصلة التغيير في السودان، ولذا تحرص بورتسودان على كسر هذه البوصلة كي يضل الشعب السوداني الطريق ويعود القهقري.

والأمر أن الناس في كافة أنحاء السودان منقسمون على اثنان: أحدهم يساند التغيير سوى كان بالقوة أو السلم، والآخرين، ضد التغيير.

ولا تحتكر دارفور المشكل السوداني ولا هي شرارته الأولى ولا محور دورانه، فمن قبل دارفور صارت أقاليم عديدة، إذ إن الصراع يشمل كافة أنحاء السودان، وكل أعراقه لكن أنصار اللا تغيير يريدون أن يصوروا للشعب السوداني أن المشكل جميعه دارفور، وإن انفصالها سوف يحل المشكل.

إن انفصال دارفور سوف يخدر المشكل كما حصل تماماً عند انفصال الجنوب، وسوف يعطي النخب منصة وتبريراً لاستمرار نهب السودان وتشتيت طاقاته.

أما أمر اعتراف المجتمع الدولي بهذه الدولة، فيأتي في سياق إن كنت أنت اقتنعت بالتغيير، فإن كان ذلك كذلك، فلن تنتظر أن يساندك الآخرون، وأن يعترفوا بموقفك، لتنتصر لقناعاتك أنت أولا، فإن اتبعك الآخرين – فهو الزبيب والعسل.

إن قرار تكوين الدولة يأتي نابعاً مستقلاً من الإرادة الوطنية أولاً، ثم تسانده الدول الأخرى، هذا هو الفرق بين الحرية والتبعية.

أما مسألة تقسيم البلاد وعلاقة ذلك بالصهيونية أو نظرية المؤامرة، فلا أقول لك إلا ما قال الجولاني حينما سئل عن الأمر: إن البعض يستغلون قضايا مثل فلسطين وصراعات تاريخية لخلق حجج تصرفنا عن أولوياتنا من النهضة بمواطنينا في بلادنا وإثارة الفتن الطائفية.

إن المبرر الحقيقي لوجود إسرائيل في المنطقة هو الجماعات الإرهابية والفكر المتطرف وبالقضاء عليهم ينتهي التهديد الإسرائيلي.

إن الخطر الحقيقي علي السودان ليست هي إسرائيل، بل دوماً كان هو الاستلاب المصري للعقل السوداني واستعباده، إذ ظل رهينة للفكر الناصري الاشتراكي والتفاسير المصرية للشيوعية والإسلام لسنين طوال جعلت السودان عاجزاً ومنذ الاستقلال عن التطور سياسياً ومجتمعياً والأهم اقتصادياً: إذ بينما نهضت كوريا وسنغافورة وحتى اليابان مستمسكين بتلابيب الديمقراطية الغربية وآلياتها الاقتصادية الضخمة، زرع المصريون الفكر اليساري واليميني المتطرف في جوانب حياتنا ليقف مكبلاً السودان عن الاستفادة من طاقاته والنهضة بين الدول مستفيداً من النهضة من تراكم رأس المال في أوروبا وأمريكا.

عبود ذو اللهجة المصرية وخريج الكلية الحربية المصرية انقض بإيعاز من المصريين على المسار الديمقراطي للبلاد، وعندما بدأ يستيقظ وانتقل ليصطف مع كنيدي، تحالف السياسيون السودانيون لا أن يوحدوا جهودهم معه، بل على إسقاطه، ورفض توجهه الغربي متمثلاً في رفض المعونة الأمريكية، وقطعت الأشجار وخربت الميادين بالهتاف ضد الإمبريالية كذلك كرر الأمر مع النميري، لكن بالعنف في ٧٦، وانتهى أمر العداء للغرب بأن دعا الصادق المهدي على رأس حكومة الانتفاضة الرئيس الإيراني رفسنجاني ليزور السودان في استعراض غبي للعضلات انتهى بتحالف الإيرانيين مع عمر البشير ضد الديمقراطية بإيعاز من الحركة الإسلامية العالمية.

إن الأدوار التي لعبها السياسيون السودانيون خاصة التقدميين ضد نهضة بلادهم مشينة، فقد وقفوا حتى ضد الدعم السريع في التحالف العربي الذي تقوده أغنى دولتين وأكثرهما تأثيراً في العالم الاقتصادي السعودية والإمارات، عند التدخل في اليمن ضد إيران، ثم شوشوا على الموقف الدولي بتغذيتهم الثلاثية والرباعية بالمعلومات الكاذبة حول ضعف الحركة الاسلامية ومدى سيطرتهم على حميدتي والجيش حتى اشتعلت الحرب.

ولا علاقة البتة للأمر بوجود إسلاميين داخل الدعم السريع وقرارات قيادته.

إن قرارات قيادة الدعم السريع تأتي من الإحساس بنبض الشارع، وتحكمها ترموميتر الحقيقة ومبادئ لا تتغير فطر عليها محمد حمدان دقلو الذي عاش هذه المظالم بنفسه، ولم يقرأ عنها في الكتب، أو سمع عنها في المذياع، لذا ترى موقفه لا يضطرب ومبادئه لا تهتز، بل ينتقل من نصر إلى نصر.

والحقيقة أن داخل الدعم السريع لا يوجد فقط الذين يميلون إلى الفكر الإسلامي، ولكن كذلك من يميلون إلى الفكر الاشتراكي والناصري وهنالك الطائفيين من حزب الأمة والاتحاديين وهنالك الديكتاتوريين والديمقراطيين والمحافظين وليبراليين وأنصار السنة والصوفيين وكذلك تجد الزغاوة والشايقية والقبائل تكاد تكون جميعها التي في السودان، وذلك أمر طبيعياً لمؤسسة قومية تشمل كافة السودانيين دون تمييز بكل أشكالهم واختلاف أعراقهم وخلفياتهم الثقافية، لكن جميعهم متفقون علي التغيير، وأن لا رحمة للمتطرفين سوي من بين الدعم السريع أو غيره.

فكل ما تقول عن سيطرة الدفاع الشعبي والكيزان على الدعم السريع غريب وغير منطقي، ولا يسنده لا خطاب الدعم السريع، ولا معاركه ولا حراكه السياسي ولا الدبلوماسي إنما يأتي في سياق دولة 56 لكن بصفتي الشخصية والاعتبارية أطمئنك: لا يوجد كوز في الدعم السريع اليوم.

قبل الحرب كان الدعم السريع أكثر ميولا للأحزاب منه للكيزان؛ لأن أنصار الدعم السريع لم يكونوا يملكون المؤسسات السياسية التي تحمل صوتهم عالياً، فاضطر أن يستند علي الآخرين ليقف معتدلاً، لكن هذا الأمر تغير اليوم لا شك، فازدادت وحشة تلك الأحزاب وتوحشها من فراق بعد ولفّ وأعراض بعد ولهّ.

وبطبيعة الظروف السياسية في البلاد، فقد انتشر الكيزان في كل مكان في السودان: في كافة أحزابه وقبائل ومؤسساته الحكومية والتوعية – وليس الدعم السريع ببراء منهم، إذ كانوا مزروعين بشدة داخل الدعم السريع، إلا أن جميعهم أمروا بالانسحاب من الدعم السريع عند اندلاع الحرب ظنا من قادتهم أنه سوف ينهار، لكن ما حدث أن الدعم السريع تطهر من رجسهم ومكائدهم.

والكيزان سنام أحزاب 56 وخروجهم سوف يتبعه أنصار 56 وما يحملونه من ولاء لقياداتهم التاريخية وبقية أحزاب المركز لتسقط المسؤوليات على رجال جدد تعرف منهم القليلون.

السودان الجديد سوف يرثه من يحلمون بالتغيير صقورهم وحمائمهم ليحلقوا به إلى السماء، ليست ذات البروج، بل سماء الأمل بالاكتفاء والأمان الدائم للشعب السوداني.

وبالله التوفيق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى