سُرَّاق الإغاثة.. لصوص الطحنية!
سُرَّاق الإغاثة.. لصوص الطحنية!
علي أحمد
عبد الفتاح البرهان ليس المسؤول الوحيد عن انحطاط الجيش، بل هو أحد المنحطين الذين أتيحت لهم الفرصة لانتشاله من الانحطاط، فأحطَّ به إلى أسفل سافلين. وآخر مظاهر هذا الانحطاط تتجلى في تورط الجيش بسرقة مواد الإغاثة وبيعها في الأسواق، في وقتٍ تعاني فيه البلاد من المجاعة. وقد شاهدتُ وسمعتُ شهادات تجار تحدثوا عن عروض قدَّمها الجيش لبيع مواد إغاثية، كانت عبارة عن صفائح من “طحنية” أو (حلاوة طحينية)، بحسب تسمية البلد المانح لهذه الإغاثة.
إن بيع مواد الإغاثة “المساعدات الإنسانية” ليس أمراً جديداً في عصور الكيزان؛ فقد كان ذلك يتم في وضح النهار إبَّان حكمهم في نسخة المخلوع عمر البشير، إلا أن ما يحدث في نسختهم البرهانية يندى له الجبين وتقشعر منه الأبدان؛ لأن هذه السرقة – والسرقة محرمة في كل الأحوال – تتم في ظروف حرب وتشرد ولجوء ومرض ومجاعة، أي في ظروف استثنائية جعلت الشعب السوداني كله في حالة فقرٍ مدقع، يصطف رجال ونساء وأطفال كرماء من أجل حفنة (بليلة) أو (مديدة)، فيما تباع المساعدات الإنسانية التي ترسلها الدول الصديقة من أجلهم أمام ناظريهم في الأسواق!
تأتي المساعدات من دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ومن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، إلى بورتسودان، فتوضع في مستودعات ضخمة ولا توزَّع لأحد. لم نرَ صورة واحدة يُوزَّع فيها الجيش المساعدات الإنسانية على المحتاجين، ممن فقدوا كل شيء حتى المأوى، وإنما من يقوم بهذه الأعباء هم المواطنون أنفسهم من خلال (التكايا) والجمعيات الخيرية التي يشكلونها ويقتطعون من مواردهم الشحيحة لرفدها بالوجبات الشحيحة أيضاً، فيما يفتح (الجيش) مستودعات بورتسودان أمام اللصوص وتجار الأزمات والحروب ويبيعهم مواد الإغاثة، ليبيعوها بدورهم في الأسواق وعلى (عينك يا تاجر).
وسبق أن أجرت شبكة (سي إن إن – العربية) في 15 فبراير الماضي تحقيقاً عن سرقة المساعدات الإنسانية من قبل الجيش وبيعها للتجار، حيث أشار التحقيق إلى أن سلطة (بورتسودان) ظلت تتلقى مساعدات إنسانية ضخمة، لم يُوزَّع منها شيء ولو حصة قليلة للمتضررين. وكشف التحقيق وصول مساعدات ضخمة تشمل المواد الغذائية والطبية والإيوائية مقدمة من عدة جهات، أبرزها السعودية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت، والأردن، ومصر، والبحرين، وتركيا، والهند، والصين، وروسيا، إضافة إلى الصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونيسيف، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة أطباء بلا حدود.
إلا أن هذه المساعدات لا تصل على الإطلاق إلى مستحقيها؛ حيث يوزَّع بعضها على الميليشيات الإسلامية وحركات المرتزقة المتحالفة مع الجيش، ويحظى كبار المسؤولين في هذه الميليشيات بنصيب الأسد منها، فيما تُباع الحصة الأكبر مباشرة إلى بعض التجار، حيث يعرضونها بديباجاتها المكتوب عليها عبارات مثل (مساعدات إنسانية أو غير مخصص للبيع) في أسواق بورتسودان ومدن الشرق والشمال.
سرقة المساعدات الإنسانية أصبحت علامة مميزة لقيادة الجيش ومن معهم من اللصوص، مثل اللص جبريل إبراهيم وحركته وأسرته. يحدث هذا بينما المواطنون الذين يتضورون جوعاً، وتسرق قيادة الجيش المساعدات الإنسانية الخاصة بهم، تُطالبهم سلطة اللصوص بدفع ضرائب عالية ولا تدفع للموظفين منهم رواتب، ثم تجبرهم على التجنيد وخوض غمار حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
إن المواطن السوداني يتعرض لأشد أنواع العسف والتعذيب من قبل حكومة بورتسودان (آكلة) الإغاثة و(لاغفة) مال السحت. ولهذا السبب، لن ينالوا نصراً مؤزراً ولو حاربوا قروناً عدداً، والله لا ينصر الجيش الذي يسرق “طحنية” من فم جائع.