أبناء ما يسمى بمثلث حمدي وقفوا ضد تكوين حكومة…. ليقف أخونا حمدوك بينهما حيرانا أسفا

أبناء ما يسمى بمثلث حمدي وقفوا ضد تكوين حكومة…. ليقف أخونا حمدوك بينهما حيرانا أسفا

عبد المجيد دوسة المحامي

حتى لا نقع في مستنقع الكيزان الآسن، وهو تقسيم السودان، كان لزاماً علينا غور سبر آلياتهم لذلك التقسيم، كيف بداؤها، بالأمس القريب بثت حكومة الأمر الواقع في بورتسودان هذه الآلية المتمثلة في التعليم، تغيير العملة ومنع إصدار الأوراق الثبوتية من جنسية إلى شهادات الميلاد والوفاة، وانتهاء بقانون ابعاد الوجوه الغريبة من مناطق سيطرتها، وهي ست ولايات بالتحديد، ما عداها من مواطني الولايات الأخرى ليسوا بسودانيين بل غرباء يلزم طردهم إلى حيث أتوا منها، هناك ممن ولدوا في الولاية الشمالية أو نهر النيل أو الجزيرة، تربوا فيها بل لديهم أملاك وانصهروا مع قبائل تلك المناطق قبل فجر الاستقلال ومع ذلك هم غرباء، أيّ عقل هذا وأي عنصرية نتنة هذه.. في قصص الأبرتايد في جنوب افريقيا، لم يقل الزنوج هناك أن الهجين من الهنود والأفريكان ذوي الأصول الأوربية والآسيوية بأنهم ليسوا جنوب افريقيين، بل طالبوهم بالكف عن التفرقة العنصرية ليعيشوا معا في وطن جامع.

قلنا من قبل أن تعجب فعجب هوس الكيزان، ومن يدري غدا سوف يخرجون علينا بإنصرافية أخرى، تلهينا المضي قدما في تشخيص تاماتهم الثلاث الشهادة السودانية، العملة والأوراق الثبوتية.. قبل كل ذلك دعونا نسبر غور هذه التامات وآثارها على السودان فإلى تلك الأضابير:

أولاً: العملة الجديدة

نحن نتكلم عن العملة، فقط في إطار تداولها المحلي، لعلمنا بأنها لا تعدو كونها أوراق تكرر طباعتها مرات ومرات وعلى الدوام دون تغطية، وبالتالي هي صفرية القيمة خارج حدود البلاد، والمستفيد الأول من وجود هذه الأوراق المسماة بالعملة هي حكومة الكيزان، ومن بعدها الرباعية العسكرية الفاشلة. وحتى لا ندور في فلك من المستفيد وكيف، نحصر مقالنا هذا حول خطورة وتداعيات تغيير العملة في هذا الوقت العصيب.

إذ لم نر ولم نسمع في التاريخ الحديث أن أقدمت دولة في تغيير عملتها أثناء الحرب، خاصة إذا كانت حربا داخلية مثل الوضع الذي نحن فيه. إذ لا يعقل أن تصدر عملة جديدة مبرأة للذمة في ست ولايات يسيطر عليها الجيش من ضمن ثمانية عشر ولاية، إلا إذا كان القصد هو تقسيم الدولة. فالعملة ليست مجرد أوراق يتداولها الناس فيما بينهم، بل هي عنوان لتماسك الدولة ورمز لسيادتها، وإلا لما سميت العملات مقرونة بأسماء الدول، فنقول مثلاً الدولار الأمريكي، والجنيه السوداني والدينار الكويتي الخ، فقط في بعض الأحيان قد تمثل العملة منطقة جغرافية متماسكة اقتصاديا، ولها مصالح مشتركة فيما بينها، وبالتالي تتنازل الدول في هذا الإطار الجغرافي طواعية عن سلطان عملتها إلى ما فيه مصلحة المجموعة المنضوية تحت هذا الإطار الجغرافي، كما هو الحال في اليورو.

أما في الحالة السودانية هذه، فإن تغيير العملة ستكون بلا شك سبباً من أسباب الانقسام، سيما وأن البلاد تتقاسمها قوتان، ست ولايات يسيطر عليها الجيش، وحوالي ثمانية يسيطر عليها الدعم السريع، والولايات الأربع الباقية متنازع عليها، بحيث لا يمكن أن تعمل فيها العملة الجديدة، إلا إذا اتفق الطرفان المتحاربان. فإلى جانب ما قلناه عن التقسيم، فإن المواطن الغلبان على أمره أصبحت ما لديه من أوراق غير مبرأة للذمة وبالتالي دخل في إفلاس لا فكاك منه، هذا يدفعه إلى المزيد من البغض تجاه هذه الدولة التي يتحكم فيها الكيزان، بل ويدفعه إلى طرح السؤال البريء ما جدوى الانتماء إلى هكذا وطن؟ بل يجد راغبو إثارة فتنة الكراهية من أبناء الهامش مرتعهم ويمهد لهم السبيل إلى المناداة بتحرير السودان، كنا نقول تحرروه ممن؟ الآن لديهم الإجابة جاهزة مفصلة.. من الكيزان الذين أفقروا أهلنا ومصوا دمه ورزقه وأبادوه من قبل، فماذا نحن فاعلون؟

ثانيا: امتحان الشهادة السودانية

حكومة الأمر الواقع في بورتسودان والتي يحركها الكيزان، بل هي في واقع الأمر حكومة الضباط الأربعة، إذ البقية ممن اسموهم بالوزراء المكلفين (يعني نص وزير) ما يملكون من قطمير. أتتنا هذه الحكومة ببدعة أخرى، هي مسألة أنها معنية بتعليم أبناء الولايات الست التي تبقت في يدها بدعوى أن الآخرين هم من أبناء حواضن الدعم السريع، والمتعاونين معهم … وبذلك أوقعت في البلاد قسمة ضيزى بين الطلاب يصعب رتقها.

ثالثاً: الأوراق الثبوتية وقانون ابعاد الوجوه الغريبة

الأوراق الثبوتية، المتمثلة في منح الجنسية، جوازات السفر، شهادات الميلاد والوفاة للولايات الستة فقط، معنى هذا أن سودانيتك تحدده بقاءك في أماكن سيطرة الجيش، بل وحتى ان ذهبت لتسكن هناك أملا في منحك الجنسية، يطردونك من تلك المناطق بقانون الوجوه الغريبة التي لا تشبه وجوهم، وهو قانون ساري المفعول ومعلن عنه، معنى هذا بالواضح أنك لست بسوداني..

ثم أن شهادات الميلاد والوفاة، هي أوراق تدخل في أدق شئون الإنسان من الانتماء العائلي إلى أحكام المواريث والتركات. هل يعقل أن يعيش انسان في كوكبنا الأرضي هذا دون ورقة تثبت انتماءه، ناهيك عن الدولة بل حتى الانتماء الى عائلة محددة. حكومة رباعي الشّر لا تأبه لهذا ولا ذاك، همها استمرار الحرب حتى يقع المحظور وهو تقسيم السودان الى دويلات لا نعرف عددها، وان كنت ترغب في ذلك فأسال العاديين.

أمام هذا المشهد المريع الذي وضعنا فيه الكيزان وضباطهم الأربع، أثارت اللجنة الثورية، وهي كيان من الهامش (دارفور وكردفان) وفصيل منها، أمام تنسيقية تقدم المناهضة للحرب، والرافضة لمحاولات الكيزان، القذرة في تقسيم البلاد، ضرورة تكوين حكومة في مواقع سيطرة الدعم السريع لمجابهة الكيزان، الغريب انقسمت تنسيقية تقدم الى فريقين، وفي قراءة لخارطة انقسام تنسيقية تقدم، نلاحظ من دون عناء أن أبناء ما يسمى بمثلث حمدي، وقفوا ضد الطرح، فيما ذهب أبناء دارفور وكردفان الى الاتجاه المعاكس.. هكذا بعد أيام نرى تنسيقيتين، ليقف أخونا حمدوك بينهما حيرانا أسفا.

هذا هو المشهد كما نراه رأي العين، ونفرد سؤالنا المشروع أفنحن أمام وطن ام أوطان؟ قومية أم قوميات، بل حضارة أم حضارات؟ فلنجب عن هذه السؤال الخالي من الغرض، بعقول منفتحة وآذان صاغية، لنبحث معا مكمن الحق الذي فيه يمترون، بعيدا عن هوس الكيزان الظلاميين الانصرافين الكذبة، اذ هم في حقّ الوطن كافرون، وفي الغيّ يعمهون، بل كانوا أكثر الناس للحق كارهون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى