الأسلحة الروسية والطائرات المسيرة الإيرانية تفاقم الحرب الأهلية الكارثية في السودان
لقد منحت الأسلحة والوقود والطائرات المسيرة التي كلفت ملايين الدولارات، والتي تتدفق عبر بورتسودان، الجيش السوداني اليد العليا في الحرب الأكثر دموية في العالم، حيث تتنافس كل من طهران وموسكو على القواعد العسكرية على ساحل البحر الأحمر.
وصف قائد المليشيا السوداني ضرار أحمد ضرار في أثناء عبثه بزوج من القنابل اليدوية قابلة الإنفجار، كيف أن الداعمين الأجانب قد ساعدوا الجيش الوطني في تغيير موازين القوى في الحرب الأهلية الكارثية المتواصلة لعشرين 20 شهرًا، والتي تسببت في أكبر أزمة نزوح في العالم، ودفعت بالملايين نحو حافة المجاعة، والتي تركت الدولة الغنية بالمعادن والبالغ عدد سكانها نحو خمسين 50 مليون نسمة، مدمرة. وكان جنود كلا الطرفين قد استهدفا المدنيين دون تمييز، كما أنهما منعا المساعدات الغذائية من الوصول إلى السكان المعرضين للخطر.
وقال ضرار، القيادي البارز في إثنية البجا السودانية والذي يقود حشداً متنوعًا من رجال الميليشيات المؤيدين للجيش السوداني والذي يترأس لجنة عسكرية تدعم الجيش أيضا: “إن السودان يحظى بدعم من إيران وروسيا.” وأضاف، “إنهم يوفرون أشياء مختلفة مثل الطائرات المسيرة والأسلحة، ولذا تغيرت موازين القوى حاليا”.
إن هذه الحرب – التي خاضها جنرالين يتنافسان السيطرة على دولة شاسعة تملك ساحلا استراتيجيا على البحر بطول 530 ميلا – هي المثال الأكثر دموية لموجة مناوئة للديمقراطية اجتاحت منطقة الساحل الأفريقي خلال السنوات الأخيرة. فقد انتظمت الانقلابات المنطقة من الساحل إلى الساحل، حيث تحركت المجالس العسكرية بعيدًا عن الحلفاء الغربيين لتتقارب مع روسيا – التي نشرت مرتزقتها في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى. والواضح أن هذه الحروب لم تجتذب عددًا كبيرًا من الجهات الفاعلة الخارجية كما تفعل حرب السودان، وعلى النقيض من إذلالهما الأخير في سوريا، إلا أن روسيا وإيران تقفان حاليًا مع الجانب الرابح.
ويقول مجدي الجزولي، الأكاديمي السوداني والزميل في معهد ريفت فالي، “يبدو أن السودان مكسب سهل المنال، يمكن الحصول عليه بثمن بخس”، ويضيف “يمكنك أن تحصل على ساحل البحر الأحمر، وعلى نفوذ سياسي في الخرطوم، كما أن بإمكانك الحصول على الموارد المعدنية بسعر بخس للغاية، وتحقيق ربح هائل في بلد مثل السودان”.
وبالتزامن مع استمرار الحرب، باعت روسيا للجيش السوداني ملايين البراميل من الوقود، وآلاف الأسلحة وقطع غيار الطائرات النفاثة، هذا في حين أرسلت إيران شحنات من الأسلحة وعشرات الطائرات المسيرة؛ مما سمح للجيش باستعادة أجزاء من العاصمة الخرطوم، ومساحات واسعة من الأراضي في جميع أنحاء البلاد من قوات الدعم السريع. وتنامت الترسانة الحربية للجيش كثيرا بفضل الدعم الروسي والإيراني، إلى درجة أنه بنى في وقت سابق من هذا العام، حظيرة طائرة جديدة في الجناح العسكري لمطار بورتسودان.
إن تدفق الأسلحة يعني أن الحرب تُخاض بشكل متزايد في الجو. وفي وقت مبكر من يوم 21 نوفمبر، ووفقًا لتقييم أمني للأمم المتحدة اطلعت عليه بلومبرج، كان الجيش قد استخدم أسلحة مضادة للطائرات لإسقاط سرب من طائرات الدعم السريع المسيرة وذلك بالقرب من مدينتي عطبرة والدمار. ووفقًا للتقييم أيضا، “يعمل كلا الجانبين بنشاط على تجديد إمدادات الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المسيرة، لتعزيز مواقعهما”
وبحسب مسؤولين استخباراتيين سودانيين وأربعة مسؤولين غربيين، فإن كل من روسيا وإيران قد عقدتا محادثات مع الجيش السوداني في الأشهر الأخيرة، تتعلق ببناء قواعد عسكرية في بورتسودان. وتكتسب هذه المناقشات أهمية كبيرة في ظل المخاطر التي تواجهها روسيا بفقدان جسرها الجوي الرئيسي نحو أفريقيا بسبب خسارتها المحتملة لقاعدتين في سوريا عقب الإطاحة ببشار الأسد، وكذلك في ظل الضعف الذي تجد فيه إيران نفسها بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة على حزب الله في لبنان.
وعلى الرغم من أن الحكومة الصينية لم تنحاز إلى أي جانب -الطائرات المسيرة صينية الصنع استخدمت من كلا الطرفين طائرات- إلا أن بكين شيدت ميناءً لتصدير الإبل شرقا بقيمة مئة وأربعون (140) مليون دولار في بورتسودان، فيما تجري -بكين- محادثات مع الجيش للاستثمار في مصفاة نفط جديدة وإعادة تأهيل أكبر مسلخ بالبلاد.
وقال مالك عقار، نائب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، في مقابلة ببورتسودان، ودون تحديد دول محددة: “نحن ممتنون جدًا لأصدقائنا ونقدر المساعدة التي تلقيناها.” وأضاف، “نحن نعرف من هم أصدقاؤنا ومن اختار عدم دعمنا”.
وقال مسؤولان أمنيان غربيان، إن الجيش اشترى أيضًا عددًا غير معلوم من الطائرات المسيرة تركية الصنع من طراز بيرقراد (Bayraktar TB2)، ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن شركات أسلحة خاصة من صربيا والإمارات العربية المتحدة وروسيا، قد قامت بتصدير أسلحة إلى السودان في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على منطقة دارفور. وفي ذات الوقت، قال مسؤول أمني سوداني ومسؤولان أمنيان أجنبيان، إن مسؤولين عسكريين مصريين يقدمون المشورة للجيش السوداني، وأن السفير المصري لدى الاتحاد الأوروبي ببروكسل كان قد ناشد الشهر الماضي بعدم فرض عقوبات على الجيش، وفقًا لبرقية دبلوماسية اطلعت عليها بلومبرج. ولم يتم الرد على عدة طلبات من بلومبيرغ، أرسلت إلى السفارة المصرية في بروكسل للتعليق على الأمر.
ويقول الجزولي من معهد (ريفت فالي)، “إن أهم السفراء اليوم في بورتسودان، هم السفير الروسي والتركي والمصري والإيراني” ويضيف” لا أحد في السودان يستطيع القتال بدون دعم خارجي، ذلك أنه ببساطة أمر غير ممكن، في ظل عدم صنعك للأسلحة الكافية في السودان، وكذلك في ظل عدم صنعك للذخيرة الكافية، وكونك لا تنتج وقوداً”.
ووفقاً لمسؤولين في الميناء طلبا عدم الكشف عن هويتهما خوفاً من انتقام الحكومة، فإنه وعلى الطرق المحيطة بالميناء ببورتسودان، يقوم مئات العمال من البجا بتفريغ الشاحنات المحملة بالبضائع في المستودعات، إلا أنه ومن وقت لآخر، تقوم الاستخبارات العسكرية السودانية بمنع الوصول إلى المحطة الجنوبية، حيث تصل الشحنات المحملة بالأسلحة.
وعلى بعد ميلين، في (ذا دوك) ــ مطعم مكيف الهواء في مبنى على طراز آرت ديكو ــ تظهر البلدان التي تشحن تلك الأسلحة للعيان بشكل كامل، حيث يتناول المستشارون العسكريون الروس العشاء بجوار مسؤولين عسكريين من الصين أو تركيا أو إيران، بينما يدفعون ثمن المأكولات البحرية المحلية برزم كبيرة من العملة المحلية.
لقد كانوا يأتون إلى المرسى منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، عقب فشل أقوى جنرالين في البلاد – عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو – في التوصل إلى اتفاق تقاسم سلطة في البلاد. وفي أعقاب ثورة شعبية أطاحت بالديكتاتور الإسلامي عمر البشير في عام 2019، أطاح الجنرالين بحكومة يترأسها مدنيون يدعمهم الغرب عبر انقلاب عام 2021، وقتلوا الشباب المتظاهرين في الشوارع وعرقلوا جهود الديمقراطية قبل هذا الخلاف.
وعقب وقت قصير على سفر نائب قائد الجيش السودان عقار إلى روسيا في يونيو، وذلك بهدف إجراء محادثات بشأن الحصول على أسلحة مقابل السماح للكرملين بإنشاء محطة تزود عسكرية على البحر الأحمر، كانت شحنات من الأسلحة قد بدأت بالتدفق إلى بورتسودان وذلك بحسب مسؤولي الميناء اللذين شهدا عدة عمليات تسليم في الأشهر الأخيرة.
ووفقًا لمسؤول استخباراتي سوداني ومسؤولين أمنيين أجنبيين طلبا عدم الكشف عن هويتهما، قدمت روسيا دعمًا استخباراتيًا للجيش.
وقال جاستن لينش، الباحث بمرصد الصراعات الذي تموله الحكومة الأميركية ويراقب الحرب في السودان وأوكرانيا، “إن روسيا تطمع في المال وقاعدة بحرية على البحر الأحمر؛ حيث أن التحالف مع الجيش يعني زيادة مبيعات الأسلحة، ومنشأة محتملة في بورتسودان”.
وهذا يعني أن شحنات الوقود الروسي للجيش قد زادت هذا العام، فعقب سبعة أشهر على بداية الحرب لم تصدر فيها روسيا أي وقود إلى السودان، سلمت روسيا الجيش نحو 2.8 مليون برميل من الديزل والبنزين بين أبريل وأكتوبر، وهو ما يمثل 47% من إجمالي واردات السودان. ومنذ مارس، رست في بورتسودان ما لا يقل عن اثنتي عشر 12 ناقلة نفط قادمة من بريمورسك وتوابسي وفيسوتسك وأوست لوغا وسانت بطرسبرغ في روسيا؛ وكانت عشر 10 ناقلة نفط منها لمالكين غير معروفين. وفي أواخر نوفمبر، أجرى مسؤولون من وزارة الطاقة السودانية، محادثات مع مسؤولين تنفيذيين من شركة جازبروم، وذلك بشأن إصلاح البنية التحتية النفطية التي تلفت، وتطوير خزانات النفط القائمة وبناء خط أنابيب جديد ومصفاة في بورتسودان، حسبما ذكرت الوزارة في بيان لها.
وقال مسؤول استخباراتي سوداني، إن روسيا قد عرضت على السودان أيضًا، الحصول على نظام الدفاع الصاروخي أرض-جو من طراز إس-400، وذلك كجزء من الصفقة الخاصة بقاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر. وبالرغم من ذلك، قال مسؤول الاستخبارات السوداني ومسؤولان أمريكيان ٱخران، إن السودان لم يقبل العرض خوفًا من تنفير الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى.
وكان عقار قد رفض التعليق على دور القوى الأجنبية في الحرب. ولم ترد السفارة الروسية في بورتسودان ووزارة خارجيتها أيضا، على عدة طلبات من بلومبيرغ للتعليق على الأمر.
وبالتزامن مع تصاعد الحرب، أرسلت إيران، التي استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع السودان في أواخر عام 2023 بعد انقطاع دام سبع سنوات، مسؤولين دبلوماسيين إلى بورتسودان وافتحت سفارة لها.
وكان النظامان في كل من طهران والخرطوم على تقارب خلال معظم العقود الثلاثة الماضية، يوحدهما الإسلام السياسي وذلك عقب استيلاء البشير على السلطة في عام 1989، والتي كانت قد ساعدت حكومته في إنشاء جهاز استخباراتها. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذه العلاقة توترت حوالي عام 2015 عندما إنحاز السودان إلى المملكة العربية السعودية الدولة الإقليمية النافذة وأرسل قوات سودانية للمساعدة في القتال ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
وحاليا، وبحسب مسؤولين استخباراتيين ودبلوماسيين، فإن طهران تنشط بكثافة في تزويد الجيش بالأسلحة والطائرات المسيرة، وهذا ما تؤكده أيضا صور الأقمار الصناعية وصور الأسلحة من ساحة المعركة. هذا ولم تستجب وزارة الخارجية الإيرانية وبعثتها لدى الأمم المتحدة لعدة طلبات تنشد تعليقا على الأمر.
وفي يناير، أسقط جنود قوات الدعم السريع طائرة مسيرة بالقرب من الخرطوم، والتي تم تصميمها صنعها محليا على غرار طائرة أبابيل الإيرانية، وذلك وفقًا لـ ويم زوينينبورج، خبير الأسلحة ورئيس المشروع الإنساني لنزع السلاح بمنظمة باكس الهولندية الداعية للسلام، والذي قام بتحليل وتحديد موقع مقاطع فيديو الطائرة المسيرة التي نشرها مقاتلو قوات الدعم السريع على الإنترنت وهم يحتفلون في العاصمة.
وحدد ويم زوينينبورج أيضا، طائرة مهاجر-6 – وهي طائرة مسيرة تم تصنيعها في إيران بواسطة شركة القدس للصناعات الجوية وتحمل ذخائر موجهة بدقة – في قاعدة وادي سيدنا الجوية بالقرب من الخرطوم في يناير. وتُظهر صور الأقمار الصناعية من مايو، حظيرة جديدة والعديد من مرافق التخزين التي تم بناؤها في الجناح العسكري للمطار في بورتسودان.
وحلقت طائرات الشحن الإيرانية إلى السودان ثلاث مرات على الأقل في عام 2024. وتكشف مسارات رحلات الشحن الإيرانية المسجلة عن رحلات لطائرة بوينج 747 من مطار طهران إلى مطار بورتسودان الدولي في 14 يوليو، ومن مطار بندر عباس في 18 مايو و12 يونيو 2024.
ووفقًا لبيانات تتبع الرحلات الجوية فإنه وبين يناير ويوليو من هذا العام، سافرت بين طهران وبورتسودان ما لا يقل عن سبع رحلات جوية تديرها شركة قشم فارس للطيران الخاضعة لعقوبات أمريكية والمرتبطة بفيلق القدس النخبوية التابعة للحرس الثوري الإسلامي. وفيما لم يتم تسجيل أي رحلات من هذا القبيل خلال عام 2023. كانت أربع من الرحلات السبع قد انتهت في طهران في ساحة انتظار القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بمطار مهرآباد، وفقًا لمرصد الصراع.
وقال لينش، الباحث في مرصد الصراع، “ترى إيران السودان كواحدة من الأسواق القليلة لمبيعات أسلحتها”.
وقال محمد علي سواكنه، رئيس جمعية تجار الذهب في البحر الأحمر: “إن الجيش يصدر الذهب بشكل مباشر من أجل جلب إمدادات السلع والأسلحة”.
ولا يبدو أن أي من الطرفين مستعد للسلام – ولا حتى رعاتهم الأجانب- ومع استمرار الصراع في التفاقم في العديد من أجزاء البلاد، فإن تأثيره على السكان يزداد سوءًا.
وفقًا لمسوحات التغذية التي أجرتها مجموعة التغذية السودانية في أكتوبر، فإن المستشفيات القليلة في بورتسودان امتلأت باللاجئين من الحرب، وأن نحو أكثر من مليوني شخص على وشك الموت من المجاعة.