العنبج البرهان،، رب الفور،، أين هو من نساء ورجال الفور وغير الفور ؟؟ (2)
العنبج البرهان،، رب الفور،، أين هو من نساء ورجال الفور وغير الفور ؟؟ (2)
شوقي بدري
أسرة البطل زاهر سرور الساداتي وهم من الفور الكنجارة ، كانت الأسرة الأميز في أمدرمان. أحدهم كان الرجل النبيل الاستاذ هلال زاهر سرور الساداتي طيب الله ثراه . أين أمثال العنبج والسوريب البرهان من امثال هؤلاء العظماء؟؟
هذا زمن ….. انقلع الموتد واتوتد المقلوع، جاعن بيوت الشبع وشبعن بيوت الجوع .
رجل أكبر من الكلمات
أخبرني الابن زاهر هلال زاهر بانتقال اخي واستاذي الاديب هلال زاهر سرور الساداتي الى جوار ربه طيب الله ثراه، في فيلادلفيا. أردت أن أكتب بعض رثاء ولكن توقفت الكلمات. هذا رجل أكبر من الكلمات . بدون ان اشعر كنت اردد كلمات ابو صلاح ….
خلى العيش حرام مادام أرى الموت يحل .
استمعت لهذه الاغنية ثم اعدت الاستماع لنفس الاغنية بصوت عدد من الفنانين منهم ابو داؤود، الكابلي، عباس تلودي، اسرار بابكر، الفرجوني ومصطفى السني. بكيت وبكيت ثم بكيت. وانتقلت الى أغنية،، نسيم السحر،، للوالد عمر البنا وبكيت من جديد على روح هلال .ان الانسان يدخر بعض الاشياء الرائعة ويتعلق ببعض الاحلام . كان من احلامي ان اقابل استاذي هلال في امدرمان ونجلس على شاطئ النيل عند الطابية قريبا من فريق ريد الذي في الوجدان. ومثل جلساتي الطويلة مع اهل فريق ريد التي كتبت عنها في كتاب حكاوي امدرمان مع الاخوة مصطفي كتلة صهر آل زاهر سرور، حسن عبد الفراج ،،شحرر،، احمد عبد الفراج وعبد السلام ابو حوة … الخ . نتحدث عن مئات البشر الذين تربطنا بهم معرفة، صداقة وحب .
قد يقول البعض انها غلطتنا لأننا تركنا الوطن. انور زاهر سرور الساداتي كان أقرب إلى الملائكة كان مهذباً وله صبر أيوب. في أيام السجون والمعتقلات في كل الدكتاتوريات كانوا يكلفونه في فصول محو الامية بتعليم الحالات الميؤوس منها بين المساجين، لأنه لا يعرف اليأس. هذا الرجل مات وهو يناضل ضد الكيزان. مثل الكثيرين. يناضل. وعندما احضر جثمانه للمنزل ظهر رجال امن الكيزان الذين كانوا يبحثون عنه ، وبكل صفاقة قالوا …… وده كان وين ؟ هذه أسرة الأبطال والمناضلين .
أسرة زاهر سرور الساداتي لم تكن فقط أسرة مميزة بل كما كتبت من قبل…هي الاسرة الأميز . انها أحد الاسر التي تسلمت مفاتيح امدرمان وكانت رمزاً لكل السودان .العم زاهر سرور الساداتي هو البطل الذي ذكره ابا ايبان وزير خارجية اسرائيل بالاسم موضحاً انهم قد قاتلوا بشراسة لانهم كانوا يواجهون أمثال الجنود السودانيين الذي اشتهروا بالشراسة، الصمود ورفض الاستسلام ومواجهة الموت في حرب فلسطين. البطل زاهر سرور اسر وفي جسمه 3 رصاصات. رفض شرب الماء، تلقي العلاج وهو القائد قبل شرب وعلاج جنوده. كما رفض افشاء اي سر حربي بالرغم من التهديد بالتصفية، بالرغم من الخيانة المصرية. فبعد احتلال الموقع الاستراتيجي كقوة اختراق واطلاق الصواريخ المضيئة كما متفق عليه. لم تلحق بهم الفرقة المصرية!!! . وعاد اليهود بالمدرعات ومات رجال السودان كأبطال واصابعهم على الزناد،،التتك،، ولم يهربوا كالآخرين. عاش البطل والرصاصات في جسمه الى فترة تبادل الاسرى .
الاخت الدكتورة خالدة زاهر رحمة الله عليها كان منزلها في شارع 37 العمارات مقصد الجميع كانت تعالج الكثيرين وتهتم بالمهمشين. في سنة 1970م كانت في براغ عندما كان زوجها عثمان محجوب عثمان وملحقا صحافيا ولبنهاى احمد. ابنها خالد تزوج ابنة خالته فريدة وابنتها سعاد على ما اذكر بعد انتقالها الى جوار ربها تغير الحي لان منزلها كان مقصد الكثيرين طيبب الله ثراها. تم اعتقالها في ايام الادارة البريطانية لانها تتقدم المظاهرات. في الطبعة الاخيرة لرواية الحنق كان الاهداء لوالدتي امينة خليل الدكتورة خالدة زاهر والمناضلة فاطمة احمد ابراهيم .
الدكتورة خالدة زاهر اول طبيبة سودانية شاركتها الدكتورة ذروى سركسيان شقيقة تكوى اول صحفية تؤسس صحيفة. والشقيقتان يحملن دماء الفور طوبى لأهل دارفور . والدهم كان من ارمن السودان والدكتورة ذروى تزوجت سعد ابو العلا. آل زاهر سرور من الفور الكنجارة .شقيقاتها فهيمة فريدة وشادية تركن بصماتهن اينما ذهبن .
لم اسمع انسانا يتعرض لهلال او يذكره بغير ما هو جميل. كل من تعرف به، تعامل معه، درس معه او تلقى تعليمه على يده كان لسانه يلهج بالشكر والحب. لم اعرف له سوى غلطة واحدة لمته عليها فلقد اهداني كتابه،، امدرمان،، وهذا تشريف لا استحقه وكنت اقول له ان هنالك آلاف الذين كانوا يستحقون هذا الشرف وانا لست احدهم . ربما تأثر بما كنت اكتب عن امدرمان وهو اكبر عاشق وعالم بامدرمان وليس هنالك مقارنة بما يعرف والقليل الذي اعرفه ..
كتب هلال الكثير عن الدنيا كما كتب وسكب حبه لامدرمان . تطرق للشرامة من الاولاد في امدرمان ولم ينس ان يذكر شوقي بدري كأحد الاولاد الشرامة في كتاباته . .
كان يتداخل معي كثيرا ويكمل معلوماتي عن بعض الاحداث والشخصيات فمعلوماته عن امدرمان كانت تفوق معلوماتي كثيرا .
هلال درس في مدارس الاحفاد وبدأ في سن الخامسة في الروضة مع شقيقه انور. ولهذا كان عمره ثمانية عشر عندما اكمل الثانوي ولم يقبل في الكلية الحربية كرغبة والده الضابط الذي كانت له سمعة عالمية وصار مدرسا لانه كان صاحب موهبة للتدريس استغلها في بناء الوطن . استفاد منها طلبة السعودية عندما كان منسقا للتعليم هنالك . يشيد به طلبته ويذكرونه بحب كبير. كان الناظر الذي افتتح مدرسة المناقل. اتصل بي احد طلبته من المناقل ليعزيني ويشيد به . ما خفف على خبر انتقال هلال الى جوار ربه ، ان الكثيرين قد اتصلوا بي معزين . اولهم كان الابن الاخ طارق الجزولي سودانايل الذي كان سباقا وهو من نشر الكثير لهلال .
بعد سنة وعندما طالبه والده ان يلتحق بالكلية الحربية لانه قد اكمل التاسعة عشر اخبر والده بأنه لا يرغب في العسكرية. وقتها كان الانضمام الى الكلية الحربية حلم الاغلبية الساحقة من الشباب . احدهم صديق هلال اللواء عوض احمد خليفة شاعر عشرة الايام والكثيرين . التحية للعم زاهر سرور الذي احترم رغبة ابنه في زمن كان الكثير من الآباء يفرضون رأيهم على الأبناء خاصة البنات . عندما اعتقلت المناضلة الدكتورة خالدة زاهر وضعت في مكتب الضابط الانجليزي واتصل بوالدها ليأتي لاخذها . لم يطلب منها ان تترك افكارها الشيوعية وصارت عضوة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. وعندما تنمر بعض رجال اليمين المتطرفين ومن يؤمنون بأن …. المرة كان بقت فاس ما بتشق الراس افهمهم البطل زاهر سرور بأن مسدسه جاهز للدفاع عن ابنته. ولهذا كان كل افراد هذه الاسرة ناشطون اجتماعيا سياسيا ادبيا . شاهدناهم في كل تجمع فرح او ترح .
عندما صار هلال عميدا لمعهد التونج للتربية كان في الثلاثينات من عمره. كان الجنوبيون يقولون ….. العميد فرفوري، أو صغير. وكانوا قد تعودوا على العمداء كبار السن يتحركون بصعوبة. هلال كان رياضيا جيدا تمتع بجسم متناسق. والرياضة كانت من اهم انشطة بخت الرضا. لهذا كان هلال مدرسا للرياضة بجانب المواد الأخرى. كانت المدرسة التي يعمل فيها تحصد الجوائز في المنافسات واعجاب المشاهدين في يوم الآباء والمناسبات بالجمباظ والحصان الخشبي … الخ .
فترة عمل زاهر في معهد التونج تركت اثرا كبيرا في حياته كتابه ،،الطباشير،، والذي ارجو من الجميع الاطلاع عليه ، يتحدث عن تلك الفترة . ومن اهم صفات هلال هى الشفافية وانتقاد نفسه. فعندما قام الطالبات معلمات المستقبل القريب بإقامة حفلة غناء ورقص في نهاية الاسبوع قام بتقريعهن . الا انه تراجع عندما عرف انها عادتهن وطريقة حياتهن وهو يحكم عليهن في وطنهن بمقاييس الشمال. وتلك اكبر غلطاتنا. عندما كان مدرسا في شرق السودان غضب عندما شاهد تلميذا يتعاطى التمباك بالمفتوح. قال التلميذا انا اسف ابوي بيسف اختي تسف. وعرف ان ذلك الجزء من الوطن لا يجرم استخدام التمباك بواسطة الصبية ، ويجب احترام تقاليد الآخرين . وبعد حصة الفطور كانت رائحة المريسة تفوح في الفصل . قديما كانت المريسة في كل السودان شماله شرقه غربه وجنوبه تعتبر الغذاء المهم ..
احد الموظفين في المعهد اتي للعميد هلال قائلا ان التمرجي ،،كسروا بيت بتاع انا،، وعرف هلال ان التمرجي قد خانه مع زوجته . وبدلا من ان يخبر هلال الموظف ان الامر لا يخصه ، نظر الى الامر ان الموظف يعتبره السلطة الاعلى في المعهد وكأنه شيخ القرية . تصرف هلال بمعقولية ، تكونت لجنة وحكم على الممرض بالغرامة المتعارف عليها مع التحذير للزوجة والممرض .
لم اقرأ لكاتب يكتب بالكاميرا مثل هلال ، لانه يكتب من قلبه . ان الانسان يحس بالاماكن التي يكتب عنها هلال يعيش الاحداث وتتمثل الشخصيات وهى تنبض بالحياة امام القارئ . عندما كتب زاهر عن الفتاه التي تمر خلال المعهد كل يوم ، كان الناس يلتفتون اليها بسبب جمالها وقامتها الممشوقة والبعض يستوقفها ليعلن اعجابه بها ويعلن حبه لها ، الا انها كانت تكتفي بالاشارة الى حظيرة البقر . وهذا يعني احضار المهر الذي لن يكون قليلا. ان الانسان يكاد ان يري شكل الفتاة وهي تتمخطر عابرة المعهد والعيون المتحسرة تتبعها وكانها ما قال الشاعر ادريس جماع انت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا .
المعهد تعرض لهجوم في الستينات بسب انتفاضة الجنوبيين قبل اكتوبر . وعاش الجميع في رعب . يصور هلال زاهر الاحداث ويكاد الانسان ان يشتم رائحة البارود . يتعرض هلال للمفتش الشمالى الذي يظهر شجاعته وبطشه في الصيد الجائر واستخدام المساجين لتجفيف اللحوم وبيعها في الشمال قطع الاخشاب الجائر وارسالها للشمال . ولكن عندما كشفت الحرب عن وجهها يظهر جبن المفتش الذي يرفض ان يتحرك لانقاذ المدنيين ويضطر شاويش الجيش لصفعه لكى يتحرك . وفي الطريق يظهر شيخ كبير يحمل قرعة من بين الاعشاب الطويلة يقوم احد رجال الجيش بتصفيته بدون رصاص . يصادفون اثنين من الشباب ويتم ذبحهم حتى لا يكشفوا موقع المنسحبين . ان الانسان يكاد ان يحس السكين تحز عنقه وليس عنق الشباب المساكين الذين كانوا شجعانا . رسالة هلال في الكتابة والتي يلمسها الانسان في مئات المواضيح والقصص القصيرة المنشورة كانت رسالة صدق وكشف للحقائق .
هلال الذي عاش وسط الدينكا كان يتكلم ويشيد بمجتمع الدينكا الذين كانوا على مستوي عالي من الصدق ويبعدون عن الكذب لا يعرفون السرقة ، لهم مجتمع ملئ بالتكافل والتراحم . هلال كان يكتب بالكاميرا .
في فترة بخت الرضا يكتب عن تحرش بعض مرضي النفوس بالطلبة عندما يذهبون الى الدويم الا ان الرياضي الكبير بدر الدين محمد عبدالرحيم والد هاشم بدر الادين كان يثير الرعب في قلوب هؤلاء المرضي . لم يشر هلال لنفسه بالرغم من انني اعرف انه كان ملاكما جيدا . وقد مثل مدرسة الاحفاد في الفريق الذي شارك في المباريات التي جرت بين مدرسة الاحفاد ومدرسة حنتوب في كرة السلة ، القدم الملاكمة وكل انواع الرياضة التي مورست في المدارس . من الاشياء التي كتبها هلال بدقته المعهودة ، انه لم يدفع الخمسين قرشا رسوم الرحلة لحنتوب ، لانه كان نجم الملاكمة . وعندما عاد ليعمل في الاحفاد زميلا لمدرسيه استلم مرتبه الاول وتم خصم الخمسين قرشا رسوم رحلة حنتوب . وضحك الصراف عبدالكريم بدري الذي كان بمثابة الوالد لهلال وضحك هلال طيب الله ثراه .
آل زاهر سرور كانوا ملئ العين والسمع منهم الاخ الكاتب عدنان الموجود اليوم في نيويورك ، يكتب ويعطر الاسافير . والاخ الحبيب امير الذي كان يشحذ ذهني بنقاشه الرائع ويزودني بالكثير من المعلومات . ندمت كثيرا لانني لم البي دعوته المتكررة لزيارته في جزر البهاما . كان طيب الله ثراه كريما ونبيلا مثل افراد اسرته له الرحمة .
كركاسة
اين تكريم الدكتورة خالدة زاهر ؟ لماذا لا نري اسمها في شارع منزلهم حيث ولد هلال والآخرين في فريق ريد او كل الحي ؟ حى الدكتورة خالدة زاهر . الرحمة للجميع .