لولا أنّها حربهم
لولا أنّها حربهم
خالد فضل
لاحظ المتابعون أنّ رد الفريق البرهان القائد الرسمي للقوات المسلحة السودانية على ما أورده د. عبد الحي يوسف (دكتوراة في الدراسات الإسلامية)؛ انحصر في نقطتين فقط وباقتضاب شديد، الأولى وصفه هو شخصياً (ما عندو دين) فجاء رد البرهان بأنّ عبد الحي تكفيري/ ضلالي. الثانية؛ وهي الأهم والأخطر في تقديري، سيطرة الإسلاميين على مقاليد الجيش وتوجيه الحرب وخوضها بعناصرهم وتحقيق الانتصارات المنسوبة للجيش زوراً، وجاء رد القائد العام (العندو جيش يجي ياخدو)!.
في الواقع قدّم عبد الحي معلومات قيّمة، غض الطرف عن الاتفاق أو الاختلاف حول تحليله ورؤيته للأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية، إذ ما يهمنا في سياق كشف الحقائق حول سردية الحرب في بلادنا، وبالتالي تحديد وتحميل كل طرف فيها المسؤولية عن الكوارث التي نجمت عنها والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت وما تزال مستمرة في أتونها.
ولعل البرهان لم يستطع دحض أيّ من الوقائع التي حددها المحاضر، وهي وقائع ظلّ كثير من الناس يرددونها ويثبتونها، ومع ذلك كانت هناك دوماً شبهة (المعارضة) للحرب، والدعوة للتفاوض ووقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وتحقيق السلام واستعادة مسار الانتقال المدني السلمي نحو الديمقراطية، وغيرها من أدبيات في هذا الاتجاه؛ كلّها تعتبر جرائم ضد الدولة، وتقويضا للنظام الدستوري، وخيانة وطنية، وعمالة للخارج، ودعما لقوات الدعم السريع مما يستوجب المحاكمات الإعلامية، والملاحقات النيابية حد إصدار بلاغات مثول بوساطة البوليس الدولي (الإنتربول) لدعاة السلم. بتهمة موالاة التمرد والخيانة العظمى للجيش!.
اكتفى البرهان بصفة تكفيري ضلالي، فيما يمسّه شخصياً. وهذه أضعف النقاط التي أثارها داعية الإسلام السياسي ذاك، إذ تعتبر مسألة الدين في حيّز الشخصي وأمرها مباشرة بين الإنسان والخالق نقطة سطر جديد. أمّا الكذب فمنقصة أخلاقية للشخص العادي، ويعظم أثرها السالب للشخص العام مثل قائد الجيش أو الرئيس الافتراضي للبلد لأنّها تقدح مباشرة في أدائه لهذه المهام الرفيعة في إدارة شؤون الشعب بنزاهة وشفافية، ولما لم يتمكن البرهان من دفع تلك التهمة عن نفسه، يصبح حديث المتحدث صحيحاً، والواقعة التي استشهد بها صحيحة، فكيف يأتمن الشعب (كذّابا) ليقوده إلى التهلكة من أجل تحقيق كرامته؟ وما الضمان أنّ تحقيق الكرامة للشعب عبر تشريده وقتله هي نفسها أكذوبة كبرى أطلقها كذّابون قائدهم كذّاب! لماذا لا يفكّر الناس باستخدام عقولهم عوضاً عن الانصياع كالبهائم لخطط وتوجيهات (الراعي) بل أحياناً تجد في القطيع الحيواني ما يسلك طريقاً غير ما يخطه راعيها، فلماذا بعض البشر لا يمتلكون حتى قدرة بعض الحيوانات على التفكير؟ عطفاً على ما قاله عبد الحي ولم يتمكن البرهان من الرد عليه؛ لأنّها وقائع مثبتة، مسألة علاقته بإسرائيل. وما دار في لقاءاته مع مسؤولين أمريكان على هامش زيارته الأخيرة لنيويورك. وهذه تدخل في إطار المسؤوليات العامة وليست جانباً شخصياً خاصاً مثل (ما عندو دين) بدلالاتها السطحية.
أمّا الأهم في كل تلك المعلومات مما تفضّل به المحاضر لمستمعيه السوريين من عضوية تنظيمه- فيما يبدو- والدليل على ذلك تعليقات بعض الحاضرين، والأريحية والتبسط الذي كان يتحدث بها المتحدث، فهو الجزم بأنّ هذه الحرب هي حرب الحركة الإسلامية، وأنها هي التي تسيطر عليها بما لا يستطيع منه البرهان فكاكاً لأنّ كوادرها تهيمن حتى على مكتبه في نبرة تحدي وثقة.
ولتأكيد هذه المعلومات نستعرض هنا ما نشره موقع صحيفة سودان تربيون بتاريخ 10 ديسمبر 2024م، فيما وصفه بتقرير تنظيمي للحركة الإسلامية غطى الفترة من أبريل 23- أبريل 2024م وجاء فيه: إنّ الحرب مواصلة للمشروع الصهيوني في السودان. وأكبر المنجزات هي (انتزاع قرار قائد الجيش باستنفار الشعب) حيث تمّ فتح 2275 معسكراً للتدريب تحت إشراف لجنة مركزية عليا تتبع لها لجان الاستنفار الخاصة والعامة في كل الولايات. تضم هذه المعسكرات 653.106 مستنفراً. شارك منهم في العمليات 73.912 مستنفراً، شهداء التنظيم 505 شهيداً. محاور توظيف كوادر التنظيم (سركاب، سنار، الفاو، المدرعات، والقوات الخاصة). ترتيب المعسكرات: الرجال، ولاية نهر النيل ثمّ تليها الجزيرة والشمالية. الشباب، جنوب كردفان. الطلاب، الشمالية. أمّا العمليات فشمال دارفور تليها جنوب كردفان وشمال كردفان ثم القضارف. التدريب المتخصص تفاصيله كالآتي:
211 كادر في المسيّرات وأنظمة التشويش.
2000 كادر في حرب المدن.
155 كادر في سلاح القنّاصة.
30 كادر في الصواريخ الموجهة.
90 كادر في المدفعية.
33 كادر في المدرعات.
هذه هي المعلومات التي استند عليها الداعية السياسي باسم الدين وهو يتحدى القائد العام للقوات المسلحة السودانية ويسميه باسمه (البرهان)، ينزع عنه صفات الدين، والاحترام للنفس، والوفاء بالعهد، والصدق في القول، ويجرّده من القدرة على المساس بالحركة الإسلامية وكوادرها التي تقود وتنتصر (وليس جيشه كما يدّعي) وتحيط به في مكتبه إحاطة السوار بالمعصم. فهل هذا كله رجس من عمل (تقدّم) وعبد الله حمدوك؟ وتآمر من خالد سلك، وتضليل من رشا عوض؟ وتشوين من بن زايد؟ هل هذه حرب الكراااااامة؟ ومن يعارضها خائن عميل؟ أو على أحسن الفروض (معارضة جزافية) على وزن (اليسار الجزافي) كما يحلو لأستاذنا الكبير عبد الله علي إبراهيم تسمية كل من ينهض لمقاومة هيمنة (الكيزان) من أيام الإنقاذ وإلى يوم (البهتان) هذا!! بالمناسبة، نطلب أن ينوّرنا وزير الإعلام، الناطق الرسمي من بورتسودان، زميلنا الإعلامي البارع خالد الإعيسر حول قوانين الخيانة العظمى، وتقويض الدستور، وغيرها من المواد التي بموجبها تمّ فتح البلاغات من النائب العام ضد عدد من زملائه الإعلاميين؛ حتى يطمئن قلبنا إلى أنّهم حقاً مذنبون يستحقون الملاحقة الدولية، إذ يبدو أنّ ما قالوه أخطّر بما لا يقارن بما قاله د. عبد الحي لمجموعة من (أحبابنا) السوريين!!.