نَعُود جميعاً من الفاشر بلا رقبةٍ.. (العلقة) السّاخنة التي (أكلتها) قِوى الحُرية والتّغيير هناك هي علقة لكل القِوى السِّياسيَّة، بل لكل ذواتنا المُتخمة إما بأوهام (التواكل والدعة) أو (التدابُر والتباغُض).
هي وصمة عار ونكوص مُخيف وتراجع مذلٍ عن أسباب إنتاج سلمنا الاجتماعي.. هي علقة حتى لتلك المجموعات التي صَمّمتها ونفّذتها باجتهاد ظاهرٍ مع سبق إصرار وتَرصُّد.
لدغة مُوجعة ستخيف الجميع من (جر أيِّ حبل) في الميدان الغربي الملئ بالحنش والدبايب.
فهل تمثل هذه الندوة الملغاة وبما صاحبها من تداعيات وتأثيرات الحلقة الأولى من جهرية الدعوة إلى انفصال دارفور؟!.
في دارفور قاتلت الحكومة السابقة، عدداً من الحركات المُسلّحة، وعدداً من المُسلّحين بلا حركاتٍ.. وعلى آخر عهدها شهدت دارفور انحساراً ملحوظاً للحركات والمسلحين، وبدا الأمن مُستتباً والنظام محفوظاً.
التغيير حصل والحركات في أضعف حالاتها والدولة والنظام في أوج انتصاره والأمان.
قُلبت الطاولة وتبعثرت أحجار (الدمينو) لتعاد كتابة المُعادلات، فيخلو الجو للحركات لتصبح المُكوِّن السِّياسي الوحيد الفاعل المُعبِّر عن دارفور برؤيةٍ أحاديةٍ هي (الرفض الكامل لعقلية نخب الشمال النيلي و”الجنجويقحت” وسيادة المركز).
ذهب إلى إستاد الفاشر ثلاثة من قادة التغيير ورابعتهم سارة نقد الله لإقامة احتفالية التوقيع.. قبل أن يفتح الله عليهم بكلمةٍ، وقبل أن يبدر منهم ما يُشكِّل استفزازاً للجماهير يبرِّر الرد والاعتداء، قامت جماهير عريضة بالهتاف (وينو السَّلام وينو؟!).. كان هذا عند الساعة الخامسة والثلث – الشمس حيّة -.. تطوّر الهتاف ليصير أكثر حِدّةً وتُحاصر الجماهير (الأصم وسلك وطه) بالهتاف والكراسي.. ليتم سحبهم بصعوبة بالغة إلى غُرفة اللاعبين لتبديل الملابس.. وهناك تمّت مُحاصرتهم مرة أخرى، وتم إتلاف سياراتهم الموجودة بالخارج.. كان الوضع مأساوياً مُنذراً بخطر محدق ودامٍ، ليرسل (المُكوِّن العسكري) قُوّات مُشتركة – (جهاز الأمن والشرطة العسكرية والشرطة والاحتياطي) – لتفض الجمهرة، كان ذلك بعد ساعة ونصف من الحصار المطبق والموت القريب.. ولولا لطف الله لكنا مُجدداً أمام (قرطبة أخرى) ولن تكون الأخيرة !!..
قلت لي جهاز الأمن يبقى للتحليل بس…
الجماهير لم يغضبها أحدٌ.. فقد كان واضحاً أنها مُحرّشة وبغرضٍ واحدٍ معلومٍ وتحمل رسالة ملغومة من يد الجبهة الثورية مفادها:
(يا نعيش عيشة فل.. يا نموت نحن الكل).
فكيف ستفهم (قحت) الرسالة وكيف ستتعامل مع تضاعيفها وإلى أيِّ طريق ستمضي…؟
(والبفكِّر في العرس ما يفكِّر في الطلاق).
في الخرطوم خرج بيانهم ليقول إن ما حدث في الفاشر سلوكٌ فرديٌّ!!
ليعيدوا التأكيد مرة أخرى أنهم لم ولن يحسنوا قراءة مشهدنا السِّياسي، وكذلك فعل أعداء (قحت) الذين طاروا فرحاً بهذه الضربة المُوجعة وتغنّوا في غباءٍ لا يضيف إلى المشهد سوى مزيدٍ من العبثية والركض خلف جنازة الوطن القتيل..!!
مصيرنا وأربعة الفاشر وااااااحد… وما ينبغي أن يَنجزوه هناك هو ذاته ما تُريده المصلحة الوطنية السودانية.. هزيمتهم افتتاحية باكرة لنهاية مشروع الالتئام والتّعايُش.. والتعايشي نفسه تتهدّده تلك (العلقة)، حتى لا تصير (سيادته) مُشاركة ديكورية خالصة.
الخرطوم سادتي ليست وحدها من تحكم، للأطراف دورٌ، ولا بُدّ أن نرسل إليها أقطاب الرأي والفعل فيها لنعيد التّوازُنات وفق (مسار) و(نهار) معلوم.
ادخلوا البيوت من أبوابها بدلاً من حالة (التشليع) والفوضى و(لعب القعونج).