لم تمر بالبلاد حالة من التدليس والاضطراب السياسي مثلما نُشاهد ونعيش الآن مع قوى إعلان الحرية التي يكتشف الناسُ كل يومٍ أنها ليست على قدر المسؤولية، ولا بقامة هذا الوطن الكبير. وواضح من تلاعُب هذه المجموعة بمعايير الاختيار للوظيفة العامة واستهتارها برغبات الشعب في حكومة كفاءات وطنية مستقلة وقيادات تستطيع ابتدار عمل ومبادرات خلّاقة وناجعة حتى تستوي سفينتُنا على الجودي.
إن قوى إعلان الحرية والتغيير هي نفس نمط السياسيين التقليديين الذين يُمثّلون صُور الخداع والجشع والغش واستغلال الجماهير ودغدغة مشاعرها والنصب على طموحاتها وآمالها في التغيير، ولا نستطيع فهم مسرح اللامعقول الذي يعرض أمامنا كل يوم في ما تقوم به هذه المجموعة السياسية وزمرة الناشطين اللاهثين الجدُد، وهي تقدم فصولاً من البلاهة والفهاهة السياسية لا تتسق مع حجم ونوع الشعارات التي رُفَعت كقميص عثمان للاحتيال على عامة الشعب.
ونظراً لهذا، ومن واقع الترشيحات والأسماء المُقتَرحة لقيادة الجهاز التنفيذي، أن البلاد مُقبِلة على فترة عصيبة، وسيكون السيد رئيس الوزراء في وضع لا يُحسَد عليه نتيجة لما قدّموه له من تركيبة تنفيذية بعضها لم تختبره التجربة وليس لديه من قدرات تُناسب الحال التي عليها البلاد، ويمكن الاعتماد عليه لإصلاح المعوج وتعديل المنعرج.. ونخشي أن نفطر على بصلة بعد هذه الشهور الطويلة من العيش بلا حكومة، فإذا كانت ترشيحات قوى إعلان الحرية والمسؤولين الذين قدّمتهم مثل عضوتي المجلس السيادي اللتين جعلتا جُلّ همِّهما وغاية سعيهما هو الذهاب لسجن كوبر للتأكّد من وجود مُعتقلي النظام السابق بمن فيهم رئيسه الذي يُحاكَم علناً أمام وسائل الإعلام، إذا كان هذا فقط هو نمط التفكير ونوع الهم الوطني فعلى الدنيا السلام، ألا تثق عضوتا المجلس السيادي في رئيس المجلس وبقية الأعضاء من المُكوّن العسكري وهما زملاء ورفقاء معهما في المسؤولية الوطنية، وكانوا يديرون البلاد منذ أبريل الماضي وهم من وضع رموز النظام السابق في السجن، أليسوا محل ثقة ومصداقية عندما سألتهما عائشة ورجاء عن المُعتقلين؟ ألم تقتنعا بالإجابة؟ وهل ذهاب العضوتين الكريمتين المُحترمتين هو لنزع غطاء التشكيك أم هي مشاعر سالبة لم تزل مُتغوّرة داخل نفوس أعضاء قوى الحرية والتغيير يُكذّبون فيها أسماعهم ويريدون تصديق أعينهم فقط ..!
إذا كانت طريقة التفكير وممارسة السلطة تجري بهذه الطرق التي نراها، وآثار زيارات وفود قوى الحرية والتغيير إلى الولايات التي تُخلّف معها استياءً ورفضاً كاسحاً كما رأينا في الفاشر، وأخف منه في نيالا من قبل، فإن الفترة القادمة ستشهد مزيداً من تجلّي الإحباطات الشعبية والصراع السياسي بين “قحت” وحلفائها السابقين في الجبهة الثورية والقوى الشعبية والاجتماعية التي كانت تُؤمّل فيها خيراً، ثم اكتشفت أن تحت القبة لا يوجد شيخ ولا يحزنون.
ستنتقِل العدوى من الفاشر إلى ولايات أخرى لا محالة، لأن الموقف العام والمزاج العام لدى مجتمعنا يتغير بسرعة البرق، فما أن يرى الناس التجاوُزات والأخطاء والنشوز السياسي، حتى يلفظ ويرفض كل الذي أمامه ويستعيد ثقته التي لم يضعها في مكانها، ستكون أخطاء هذا التحالُف (لحم الراس) السياسي الحالية وبالاً عليه أكثر من تحرّكات خصومه الآخرين، ولن يحتاج خصوم هذا التحالف إلى بذل جهد وعناء كبير، فمِن تصرفاتهم سينكشفون، وسيرتد إليهم كيدهم في نحورهم، وستدور الدائرة عليهم، لأنهم في الحقيقة تحالُف بلا رؤية ولا منهج ولا اتفاق حتى على الحد الأدنى من قِيَم وأعراف وتقاليد العمل السياسي النظيف التي تجعلهم في منأى عن نيران الأعداء والنيران الصديقة…
لذلك نُطالِب بمزيدٍ من السلطة لقوى إعلان الحرية، وندعو لإعطائهم الكثير من فتح الفرص وتمهيد الطريق أمام التلاميذ الجدُد في مدرسة السياسة لنرى كيف تتعمْلَق الأقزامُ وتسْتنسِر بغاثُ الطير ويَستنْمِر من ليس له مخلب..