سقوط الأسد في سوريا الفرح المكبل بالخوف!
رشا عوض
سالت دموعي فرحاً بسقوط نظام الأسد، لا شيء يهز الأعماق فرحاً مثل سقوط الجبابرة القاهرين لشعوبهم، الذين يغلقون بإحكام ـي نافذة للتغيير ولا يسمحون بتسلل أي بارقة أمل، ويحسبون خلودهم في كرسي السلطة ناموساً طبيعياً لا يتغير وإن كان الثمن فقدان الملايين لأرواحهم وهجرة نصف سكان البلد الذي يحكموه.
أسود على شعوبهم ونعامة أمام الأعداء
ممانعتهم الأكثر شراسة هي تلك الموجهة ضد الديمقراطية وحقوق الانسان والتداول السلمي للسلطة!
إلى الجحيم كل طاغية أرعن قسم وطنه إلى قسمين: زنزانة ومقبرة!!
التهاني الحارة لكل مظلوم خرج لتوه من الزنازين المظلمة وغياهب التعذيب، ولكل من كان منفياً محروماً من معانقة تراب وطنه الذي بات ضيعة مملوكة للأسد، ولكل اللاجئين، والنازحين والمهاجرين.
ولكن بكل أسف قدر هذه المنطقة المنكوبة من العالم ان كل فرحة بسقوط طاغية تولد مخنوقة ومرتجفة وفاقدة للطمأنينة بسبب أن البديل مرعب!
هيئة تحرير الشام التي أسقطت الأسد قوامها جماعات إسلاموية أصلها جبهة النصرة وبقايا القاعدة والدواعش، والإسلام السياسي بكل فصائله وعلى اختلاف درجات انغلاقه وتطرفه هو حركة عكس تيار التاريخ تستبطن الاستبداد والعنف والاستعصاء البنيوي على الديمقراطية، وعندما ينشأ الاسلام السياسي في ظل قمع عنيف مقترن بالطائفية الغليظة سيكون أكثر عنفاً وانغلاقاً.
هيئة تحرير الشام مدعومة من امريكا مادياً واستخباراتياً وعسكرياً دعماً من العيار الثقيل كانت تركيا أهم قناة لتمريره، وتجارب زواج المصلحة بين امريكا والحركات الاسلاموية وهي عديدة كان أبرزها العلاقة مع الحركات الجهادية في افغانستان لم تسفر عن انتهاج هذه الحركات نهجا ديمقراطياً أو معتدلاً لأن أهداف الزواج العرفي بين الجماعات الاسلاموية وأجهزة المخابرات الغربية وعلى رأسها الـCIA هي أهداف مرتبطة بأجندات الصراع الدولي والاقليمي التي تسحق تحت اقدامها القيم الديمقراطية خصوصا في منطقة الشرق الاوسط الملغومة والرازحة تحت ثقافة سياسية متخلفة ومسكونة بالاستبداد.
الانظمة الفاشية التي حكمت هذه المنطقة اعاقت نمو التنوير وجففت منابع البدائل السياسية الناضجة واستثمرت عن قصد في تنمية التطرف والفكر الظلامي ظنا منها ان ذلك سيعينها على الخلود في السلطة! لم تخلد هي! بل ذهبت غير مأسوف عليها وللمفارقة بأيدي المتطرفين الظلاميين الذين استثمرت في بعضهم!
التطورات الدراماتيكية في سوريا تدل على ان السياسة الامريكية تجاه منطقة الشرق الاوسط تمضي في طريق حسم النفوذ الايراني وتقطيع أياديه الممتدة إلى دول المنطقة وهذا التوجه سيزداد حدة في عهد ترامب، ولذلك أي نظام يراهن على السند الايراني يجب أن يراجع حساباته!
والدرس الأكثر أهمية هو شرط نجاح واستدامة أي نظام سياسي هو المشروعية الوطنية واستيفاء معايير الكفاءة السياسية داخليا، أما الارتهان الأعمى للقوى الاقليمية والدولية بدون بوصلة وطنية دقيقة وبدون التحام عضوي بين النظام والشعب نتيجته الحتمية الانزلاق الذي يكسر الرقبة تبعاً للرمال المتحركة اقليميا ودوليا.