الحرب أم الخبائث والكبائر والفواحش
حيدر المكاشفي
الحرب مثل الخمر تذهب العقل، ومن يذهب عقله لا يتوانى من ارتكاب الخبائث والكبائر والفواحش، وهكذا يتساوى معاقر الخمر مع خائض الحرب، فاذا كان شارب الخمر الذي ذهبت الخمر بعقله يتصرف دون وعي وادراك بما قد يوقعه في ارتكاب الآثام والذنوب والكبائر، مثل قتل النفس والزنا واتيان كل ما هو محرم تحت تأثير الخمر، ولهذا سميت الخمر (أم الكبائر)، فكذا الحال مع خائض الحرب يمكنه بفعل الحرب بل الثابت عملياً أنه يرتكب كل الموبقات والكبائر والفواحش، مثل قتل النفس والاغتصاب وكبائر الحرب الاخرى التي سنأتي عليها، ولهذا استحقت الحرب أن يطلق عليها (أم الكبائر) أيضا، فما من حرب وقعت في هذه الدنيا سابقاً وما هو واقع منها حالياً مثل حرب غزة والسودان وما ستقع في المستقبل، كانت وستكون حرباً نظيفة خالية من الانتهاكات والفظائع، فأيما حرب هي بالضرورة رديفة الانتهاكات والموبقات والفظائع، فالحرب تتسبب في طيف واسع من الانتهاكات الفظيعة مما يشكو منه الناس الان في السودان، مثل سقوط الابرياء قتلى وفقدان الاحياء لكل ما يملكون، وتشريدهم من بيوتهم، فيضربون في الأرض هائمين على وجوههم بحثاً عن المأوى الامن داخل الوطن وخارجه، وفقدان الرعاية الطبية والصحية ما يتسبب في انتشار الاوبئة والامراض في ظل تدهور بل وانعدام الخدمات العلاجية وانهيار كامل المنظومة الصحية، وتفشي حالات الاغتصاب التي تقع على الحرائر، كما تشمل اثار الحرب الاضرار الجسدية والنفسية طويلة المدى على الاطفال والبلغين على حد سواء، فضلا عن تفشي الفقر وسوء التغذية والاعاقة والتدهور الاقتصادي والامراض النفسية والاجتماعية الناجمة عن صدمة الحرب، وتدمير كامل البنية التحتية وخاصة تلك التي تدعم الصحة العامة للمجتمع، مثل قطاعات الانظمة الغذائية والرعاية الطبية والنظافة وتدهور البيئة والنقل والاتصالات والطاقة الكهربائية، وبعبارة جامعة فان الحرب تتسبب في تدمير الحياة الانسانية والتراث الثقافي والاقتصادي وتعيق التنمية والسلام، وتتسبب في حالة من الارتباك والقلق والاحساس بالحزن الشديد والشعور باليأس والاحباط، وغير ذلك الكثير من الاضرار والخسائر الجسيمة والفظائع والفواجع التي يعايشها السودانيون جراء الحرب العبثية الدائرة في بلادهم، رغم أنهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والأنكى أنهم صاروا المتضرر والخاسر الوحيد فيها، وبالتالي لا حاجة لهم أن نذكرهم بما يعايشونه ويقاسونه فعليا، بل أنهم أكثر حاجة لمن يحدثهم ويبشرهم بإنهاء هذه الحرب المهلكة التي قضت على الأخضر واليابس، وتعتبر هي المسبب الرئيس في كل ما عانوه وما انفكوا يعانونه من ويلات وعذابات، ولا سبيل للانفكاك منه الا بإيقاف وانهاء هذه الحرب اللعينة، ولهذا فإننا معنيون هنا بمناهضة ومكافحة كل افرازات الحرب السالبة والضارة، ولملمة هذه الجراح المتفتقة ومحاولة مداواتها، بتعزيز الخطاب الديمقراطي وافشاء روح وثقافة السلام، ومناهضة خطاب الكراهية المنتن، وافشاء قيم التسامح المجتمعي في ضوء الخلخلة والزلزلة الاجتماعية التي ضربت كافة مكونات المجتمع السوداني التي نخرت في وحدته وهلهلت نسيجه الاجتماعي وهددت وحدته الوطنية، وما يرافق ذلك من نشر ضار وسالب وتضليل اعلامي، لدرجة جعلت من الحقيقة المجردة أكبر ضحايا هذه الحرب، وسنوالي ان شاء الله هذه الموضوعات واحدة تلو الأخرى..
ونواصل..