بين “اللحظة الحاضرة” و”الواجب المباشر”
بين “اللحظة الحاضرة” و”الواجب المباشر”
الجميل الفاضل
من أجمل ما قرأت نص للغائب الحاضر “محمود درويش” يقول: “قلت له، مرة، غاضبا: كيف تحيا غدا؟.
قال: لا شأن لي بغدي.
إنه فكرة لا تراودني.
وأنا هكذا.. هكذا:
لن يغيرني أي شيء، كما لم أغير أنا أي شيء.
فلا تحجب الشمس عني”.
إنها في تصوري شمس “اللحظة الحاضرة”، التي يحرص الشاعر على عدم حجبها عنه بشواغل أخرى تتصل، بأمس مضي وأنقضى، أو بغد لما يأت بعد.
هي لحظة مثلها مثل “أثر الفراشة” الذي يصفه هذا الشاعر بقوله:
“أَثر الفراشة لا يُرَى
أَثر الفراشة لا يزولُ
هو جاذبيّةُ غامضٍ
يستدرج المعنى، ويرحلُ
حين يتَّضحُ السبيلُ
هو خفَّةُ الأبديِّ في اليوميّ
أشواقٌ إلى أَعلى
وإشراقٌ جميلُ
هو شامَةٌ في الضوء تومئ
حين يرشدنا الى الكلماتِ
باطننا الدليلُ
هو مثل أُغنية تحاولُ
أن تقول، وتكتفي
بالاقتباس من الظلالِ
ولا تقولُ!”.
المهم في ظني أن “اللحظة الحاضرة” هي نقطة متحركة في الزمن لا تسكن ولا تهدأ، اذ هي نقطة الوصول، التي هي في ذات الوقت نقطة المغادرة، الي لحظة حاضرة أخري.
إذ لكل لحظة حاضرة شروط وموجبات، ربما تختلف هي بالضرورة عن شروط وموجبات أي لحظة فائتة قبلها، أو لاحقة لها.
فاللحظة الحاضرة، لحظة يتفاعل الإنسان معها أو فيها، بمقدار ما يملك فقط، من وسع، واستطاعة، وإمكان، لا أكثر ولا أقل.
إذ أن قدر الانسان يظل دائما هو العيش بين ظرفين، ظرف مكان، ثابت نوعا ما، هو مجاله الحيوي الذي يتحرك ويتفاعل فيه، وظرف زمان، متغير من شأنه أن يلقي باثاره على الإنسان نفسه.
ليصبح فلاح الانسان في حياته رهن بمدي امساكه بكل “لحظة حاضرة”، من خلال القيام بالواجب المباشر فيها كما ينبغي أن يكون، وبعدم الانشغال عنها بسواها.
وفق ميزان دقيق يقوم على حكمة ربانية ما أحوجنا لها اليوم تقول: “لكي لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما أتاكم”.
لكي نصبر ولا نأسي على مافاتنا بسبب هذه الحرب اللعينة من نقص في الأموال والأنفس والثمرات، ولكي نشكر ولا نفرح بما سيأتينا سبحانه وتعالي، بعد هذه التجربة المريرة من خيرات، وما سيفتح علينا من بركات، لأنه لا يحب في الحقيقة كل مختال فخور، سواء من طائفة أدعياء الدين، أو من شاكلة دعاة الحرب.