لا تؤاخذوا البرهان بما يقول!

لا تؤاخذوا البرهان بما يقول!

علي أحمد

بالنسبة لي، فإن قائد مليشيات الكيزان الإرهابية، عبد الفتاح البرهان، سواء تحدث أو صمت، فإن الأمر سيان. لكن بصفته أحد أمراء الحرب الراهنة وأحد مشعليها، فإن تصريحاته المتكررة، سواء بمناسبة أو بدونها ودون أي ضوابط، تحظى باهتمام الإعلام، مما يجبرنا على التعاطي معها رغم رداءتها وسوء صياغتها وتناقضها المستمر.

فبعد أن دعا قبل أيام قليلة القوى السياسية السودانية (دون استثناء) لعقد مؤتمر للتفاوض بمصيف أركويت (شرق السودان) للتوصل إلى تسوية سياسية، وسرّب هو ومقربون منه للخواجة “كاميرون هودسون” رغبتهم في التفاوض مع الدعم السريع – حتى أن الأخير غرّد بذلك مبدياً دهشته من التناقض بين ما يدور في أذهان هؤلاء العسكريين وقائدهم وبين ما يصرحون به علناً للإعلام – عاد البرهان بعد كل ذلك القهقرى.

ففي مؤتمر قضايا المرأة بشرق السودان، الذي انعقد أمس ببورتسودان، كرر البرهان سردية المخبول ياسر العطا، التي مفادها أن التسوية مع الدعم السريع تتطلب أن يضع سلاحه، وأن يتجمع في أماكن محددة، ثم ينظر الشعب في أمره… إلى آخر هذا الهراء!

ما هذا يا رجل؟ هل تعتقد فعلاً أن مثل هذا السيناريو يمكن أن يحدث؟ هل تتصور أن قوات تسيطر على أجزاء واسعة من ولايات الجزيرة وكردفان وسنار، وعلى معظم ولاية الخرطوم وجميع ولايات دارفور، عدا بعض الجيوب القليلة، ستقرر فجأة أن تستسلم وتتجمع في معسكرات لينظر (الشعب) في أمرها؟ وهنا “الشعب” تعني الكيزان! ما يعني أن تحقيق هذا السيناريو – إن افترضنا نجاحه – سيستغرق عقوداً من الزمن. وحتى في هذه الحالة، يمكن لوحدات صغيرة من الدعم السريع أن تنتشر وتتوزع وتلعب مع الجيش المتضعضع لعبة حرب العصابات (الغوريلا) بلا نهاية. البرهان يعلم ذلك جيداً – بحكم أنه عسكري، مهما كان ضعيفاً في مهنته – فلماذا يصرح بما ينافي الواقع؟.

أنكر البرهان أيضاً دعوته للقوى السياسية للاجتماع في أركويت، وقال في مؤتمر المرأة – وهو مؤتمر لا داعي ولا حاجة له في هذا التوقيت – إن ما نسب إليه في هذا الصدد غير صحيح. وأضاف، وكأنه إله: “باب التوبة مفتوح، لكن بشروط.”

دع عنك البرهان، وارجع البصر كرتين، مرة إلى نظام النميري وأخرى إلى نظام البشير، وهما أقوى نظامين عسكريين في تاريخ الانقلابات العسكرية المشؤومة في بلادنا، وسترى كيف تمكنت القوى المدنية غير المسلحة من زعزعة أركان هذه الأنظمة حتى اضطرت إلى مصالحتها، أو تمكنت من الإطاحة بها عبر انتفاضات شعبية في نهاية المطاف.

نظام النميري، على سبيل المثال، اضطر – بعد أن كان يتبجح ويهدد – إلى مصالحة الجبهة الوطنية (الصادق المهدي، والترابي، والهندي، والإخوان المسلمين). أما نظام البشير، فقد اضطر مجبراً، لا بطلاً، إلى التوقيع على اتفاقية السلام الشامل المعروفة إعلامياً باتفاقية نيفاشا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، كما اضطر إلى التصالح مع التجمع الوطني الديمقراطي المعارض، وإلى التفاوض مع حركة تحرير السودان، وحركة التحرير والعدالة، وجبهة الشرق. ولم يتبق له سوى التفاوض مع الجبهة الديمقراطية وجبهة كفاح الطلبة!

أما البرهان، المتحصن ببورتسودان، وهو فاقد للشرعية، فلا أعرف لماذا يتطاول على الحاضر وعلى التاريخ. ربما يظن أن الكيزان سيحمونه، مع أنه يعلم أنهم في أضعف حالاتهم، رغم ما يثيرونه من بروباغندا حول قوتهم المزعومة المتمثلة في (براؤون) وقائدها بائع الأواني المنزلية. هؤلاء يمكن القضاء عليهم بسرية واحدة بين ليلة وضحاها.

إذا كان البرهان يظن أنه بمقدوره إقصاء القوى المدنية، حتى لو حقق انتصاراً ساحقاً وقضى على الدعم السريع بشكل نهائي – وهذا لن يحدث، حتى لو انطبقت السماء على الأرض – فإنه سيكون وريثاً حقيقياً لوالده في الأحلام، وسيكون “ابن الحلمان” بحق وحقيقة. لكنه عندما يفيق من حلمه، سيجد نفسه في مكانه الطبيعي. وهو يعلم جيداً أين هو هذا المكان!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى