تناقض البرهان.. من نفي نفوذ الإسلاميين إلى القلق من انقساماتهم
عباس محمد
حين تسمع مصطلح «رسائل» في خطابات المسؤولين، تدرك أن خلف الكلمات محاولة لإخفاء حقيقة أو قلق عميق بهذا النهج، استهل قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خطابه اليوم الثلاثاء في عاصمته البديلة بورتسودان، لكنه أخفق في إخفاء هواجسه التي تدور حول انقسام الإسلاميين داخل حزب المؤتمر الوطني المحلول (الإخوان المسلمين في السودان) وتأثير ذلك على وحدة المقاتلين في الحرب المشتعلة منذ أبريل 2023.
في كلمته خلال مؤتمر اقتصادي، أعرب البرهان عن قلقه من تحركات المؤتمر الوطني لعقد مجلس شورى لاختيار قيادة جديدة، واصفاً هذه المحاولات بأنها “مؤسفة ومرفوضة”. لكنه لم يعترض على وجود الإسلاميين بقدر ما حذر من تأثير انقساماتهم على القوات العسكرية. هذا التصريح يحمل تناقضاً لافتاً مع نفيه المستمر لاختراق الإسلاميين للجيش، ويعكس اعترافاً -ضمنياً- بأن نفوذهم لا يزال مؤثراً.
منذ انقلابه على الحكومة الانتقالية في أكتوبر 2021، ظل البرهان ينفي أي ارتباط بين الجيش والإسلاميين، مدعياً استقلال المؤسسة العسكرية عن القوى السياسية، إلا أن تصريحاته الأخيرة تعكس واقعاً مختلفاً، حيث أقر بشكل غير مباشر بأن انقسامات الإسلاميين قد تحدث شرخاً داخل القوات المقاتلة، وهو ما يمنح مصداقية لتحذيرات القوى المدنية التي لطالما أشارت إلى استغلال الإسلاميين للحرب لاستعادة نفوذهم السياسي.
تصاعد الخلاف داخل حزب المؤتمر الوطني المحلول حول اختيار قيادة جديدة يكشف عن أزمة عميقة داخل الحركة الإسلامية، لكنها تشير أيضا إلى تأثير مستمر لهم على الأرض، -خصوصاً- بين القوات التي تقاتل إلى جانب الجيش. هذا التأثير، الذي لم ينكره البرهان صراحة، يظهر أن الانقسام بين الإسلاميين هو في الحقيقة انقسام داخل المؤسسة العسكرية ذاتها.
حقيقة الرسائل بين السطور
في ظل استمرار الحرب، يحاول البرهان الموازنة بين الاستفادة من دعم الإسلاميين والحفاظ على وحدة الجيش لكن تصريحاته الأخيرة تكشف عن تناقض واضح: فهو يخشى من تداعيات انقسامات الإسلاميين، ما يعكس هشاشة القيادة العسكرية وعدم قدرتها على فصل المؤسسة عن القوى السياسية التي طالما كانت جزءا من أزمات البلاد.
لن يتردد مؤيدو استمرار الحرب في تفسير تصريحات البرهان وكأنها محاولة لإقصاء الإسلاميين، لكن الحقيقة أن الرجل كشف -ضمنا- أن انقسام الإسلاميين سيكون له انعكاس أعمق داخل الجيش، وإن لم يصرح بذلك علناً.
تصريحات البرهان الأخيرة تظهر عمق التناقض في خطابه، حيث يحاول التظاهر برفض الإسلاميين بينما يعتمد على دعمهم. في النهاية، يعكس هذا المشهد وضع السودان الذي لا يزال عالقا في دوامة من الصراعات السياسية والعسكرية، تغذيها الانقسامات الداخلية والإرث الثقيل للنظام السابق.