“نحب الأسلحة ونصنع المسيرات”.. تأثير الحرب على الأطفال
نسأل الطفل أحمد، ماذا يفضل أن نهديه في عيد ميلاده؟ فيردّ على الفور “كيس أسلحة”.. نقول له لماذا اختار ذلك؟ فيردّ بأنه يريد حماية نفسه، ثم يدعونا لمشاهدة طائرات بلاستيكية صغيرة مربوطة بخيطان، قال إنها مسيّرات صنعها بيديه.
ولا يختلف سامر، شقيق أحمد الصغير عن أخيه، في عشق ألعاب الأطفال المصنوعة على شكل مسدسات ورشاشات ودبابات بلاستيكية، لكن اهتمامه يتركز على البنادق التي تطلق حباتٍ صغيرةً من الخرز، ويقول إنه يستخدمها للتدرّب على الرماية.
غرام الأطفال باقتناء ألعاب الأسلحة، يعتبر طبيعياً أثناء الحروب، كما تقول الباحثة الاجتماعية أليسار فندي، فالأطفال ينتبهون جيداً إلى أحاديث الكبار عن الأحداث، ويشعرون بالخطر والخوف. وتضيف:”تؤثر مشاهدة أخبار التلفزيون في بيت العائلة، على مشاعر وأفكار الأطفال وسلوكياتهم، خاصة عندما تكون مزودة بفيديوهات عنيفة تصور القصف والمصابين أو الضحايا الأطفال”.
وتحذر فندي، من ارتفاع السلوك العدائي عند الأطفال أثناء الحروب، خاصة تجاه نظرائهم من الأعمار الصغيرة، حيث من الممكن أن يتسببوا لبعضهم بإصابات مؤذية.
“يخشون فقدان الأهل”
ويقول الطفل أحمد لـ”إرم نيوز”، إن ما يقلقه هو فقدان عائلته أثناء الحرب، ويتساءل: “كيف سنبقى وحيدين أنا وإخوتي؟”. نخبره بأن الحرب بعيدة عن المنطقة، لكنه يصر على مخاوفه ويضيف: “وماذا نفعل إن وصلت إلينا.. يجب أن نستعد”.
وتكشف الأمم المتحدة عن أعداد الضحايا الأطفال في كل حرب. كما تتداول وسائل الإعلام الصور ومقاطع الفيديو، حيث يشاهدها الأطفال ويتأثرون بقصصها، دون أن ينتبه الأهل إلى تأثير ذلك في نفسيات أبنائهم.
وتقول منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة: “إن الأطفال الذين يشهدون العنف بشكل مستمر، قد يطورون اهتماماً غير صحي بالأسلحة والعنف، حيث يصبحون أكثر عرضة لتبني سلوكيات عدوانية”.
“لعبة الحرب في الحارة”
وتنتشر في أحياء المدن القريبة من مناطق الحروب، “لعبة الحرب”، حيث ينقسم الأطفال إلى فريقين، ويحمل كل منهم مسدساً بلاستيكياً، كان في الماضي ورقياً يصنعونه من الدفاتر القديمة والكرتون، ثم يأخذ كل فريق جهة من الحارة، ويبدؤون بالصراخ “طاخ طاخ”، علامة على إطلاق النار.
ويقلد الأطفال، في هذه اللعبة، سلوك الجرحى وعمليات الإنقاذ، ويحملون الشهداء على أكتافهم إلى المشافي، بشكل يحاكي ما يشاهدونه في التلفزيون.
ويؤكد لنا الطفل أحمد بأنه تمكن من قتل عدد كبير من فريق الأطفال المعادي، لأنه تمركز في موقع مخفي.
كما تنشب الخلافات بين فريقي الأطفال في لعبة الحرب، ويتهم كل فريق الآخر بأنه لم يلتزم بقواعد اللعبة، ويتفقون على إعلان الهدنة، ثم يعيدون توزيع مراكزهم، كأنهم يطبقون ما يشاهدونه على التلفزيون.
ويقول والد أحمد لـ”إرم نيوز”: “انتبهت إلى أن لعبة الأطفال، مستمدة من الأخبار التي يشاهدونها، وقد وصل الأمر إلى صناعة علمٍ خاص بكل فريق، يحاكي أعلام المتصارعين في الحروب الحقيقية”.
وترى الباحثة الاجتماعية فندي، أن لعبة الحرب التي يمارسها الصغار، لها دلالات على حجم التأثر الذي سيظهر على شخصياتهم في المستقبل بشكل أوضح.
“ألعاب مؤذية”
أما بائعو الألعاب، فيؤكدون أن معظم الأطفال يطلبون شراء المسدسات والرشاشات البلاستيكية، ونتيجة ارتفاع الطلب على هذه الأنواع، قامت الشركات باختراع أنواع “مؤذية”، على رأسها البنادق التي تطلق حبّات خرز، أدت لإصابات خطيرة في عيون الأطفال.
وقال بائع الألعاب، “أبو جاد” لـ”إرم نيوز”: “الشيء اللافت أن البنات الصغيرات صرن يطلبن شراء ألعاب الأسلحة، أسوة بإخوانهم الصبيان”، وهو ما فسرته الباحثة فندي بالقول: “كلما اقتربنا من مناطق الصراع، ترتفع تأثيرات الحرب وتتسع لتشمل شرائح اجتماعية أكبر”.
ويبدو إبعاد الأطفال عن تأثيرات الحروب صعباً جداً، في ظل تطور الاتصالات والإنترنت، ووجود التلفزيون في غرفة المعيشة بالمنزل، حيث يجتمع أفراد الأسرة.
ويقول والد الطفل أحمد، إنه يحاول أن يبسّط لابنه ما يجري، حتى لا يعاني من عقدة في المستقبل، لكن ذلك يبدو صعباً في ظل تأثير أطراف على عملية التربية، أهمها السوشيال ميديا، مع صعوبة فرض عزل على الأطفال.
وفي صالات الألعاب الإلكترونية الجماعية، تحظى ألعاب الحرب، بشعبية كبيرة بين الأطفال والمراهقين، وفي مقدمتها “الببجي”، التي يشارك فيها بوقت واحد، 100 لاعب من مختلف الدول.
ومن المؤكد أن عزل الأطفال عن أحداث الحروب يبدو مستحيلاً، في ظل تطور وسائل التواصل، وانشغال جميع المنابر بنقل أخبار القصف والدمار، إضافة إلى انتشار الألعاب الإلكترونية الجماعية التي تجعل الأطفال يتواصلون مع العالم الخارجي ويحصلون على الأخبار.