حمدوك وصابر.. وعشم باكر..!!
صابر شاب طموح يعمل حلاقاً في صالون “نيو لايف” بضاحية الصالحة بأمدرمان كثير الاهتمام بالشأن العام وما يحدث في البلاد، وهو مهتم أكثر بقضية السلطان والسلطة قبيل ارتفاع صوت الثورة وبعيد التغيير، لكن اهتماماته تعاظمت بعد التغيير.
أثناء الحراك ظل يسألني دائماً عن بوصلة اتجاه الأحداث شأنه شأن كل الصالون الذي هو شبه منتدى سياسي فكري ثقافي لا يتحدث رواده الذين يجلسون على النجيلة والحلاقين بلغة الحرفة المنغلقة وإنما بلغة السياسة ومعاش واهتمامات الناس اليومي.
* تصادق الشباب العاملون بالصالون (أشرف ـ هود ـ خالد ـ بقة) والبقية مع زبائنهم وحتي ست الشاي أمام الصالون أصبحت أختاً وصديقة لهم ولزبائنهم أكثر من أنها مجرد بائعة شاي، وفي صالون الحلاقة تبدو لمحة قريبة من طبيعة عقلية شباب يمتهنون مهنة عادية، لكنهم يفكرون بأفق السودان ثقافياً وسياسياً، فهم تلقوا صدمات مثلهم والآخرين من الشباب حتى فترات الحراك داهمت قوة من مكافحة الشغب الصالون أثناء مطاردة لبعض المحتجين وتعرض البعض داخل الصالون إلى الضرب والأذى اللفظي، لكن الحادثة صارت طرفة يحكيها الحضور بمشاهداتها واضطراباتها التي حدثت أثناء المواجهة ـ بعد التغيير وتحديد الأهداف وبروز اسم الدكتور عبد الله حمدوك مرشحاً لرئاسة مجلس وزراء الحكومة الانتقالية، وتعلق آمال السودانيين به كمنقذ وضمان آمن للاقتصاد الوطني المتعثر.
وكلما حضرت إلى الصالون لحلاقة وتصفيف شعري يباغتني صابر بسؤال قلق وحائر (يا أستاذ حمدوك وافق يجي السودان خلاص، وقبل ما أفكر في الإجابة يباغتني بسؤال آخر: (رأيك شنو في حمدوك وهل بمقدوره التخطيط وقيادة البلاد وإخراجها إلى بر الأمان ).
سؤال يطرحه صابر بصدق وينتظر الإجابة وهو يرمقني بنظرات بالمرآة في إصرار يوضح حجم اهتمامه بطبيعة الضغوط التي يعانيها المجتمع السوداني وتحسباته للأسوأ وكيف أن مجتمع اليوم أصبح مدركاً وهو لا يزال يحيط بالمسؤولين والاعلاميين ويحاصروهم بأسئلة الواقع المعقدة والعميقة فكرياً وثقافياً سيما أن ما تمر به البلاد من وضع استثنائي قد أصاب ثقله قطاعات واسعة، وكما ظل يردد صديقي محمد محمد خير بأن التخصصات المهنية السودانية سيما المهن ذات الطبيعة المهارية الشعبية بها أناس يحملون درجات علمية عليا، وتضم إليها شخصيات كثيراً ما تغري الشخص وتجعله يبحث عما وراء الشخصية وليس المهنة.
أسئلة صابر الحلاق وغيره من الأصدقاء جعلتنا نتحفز بل نتهيأ لحصد مكاسب واسعة من أي صاحب مهنة في الحياة العامة وأحياناً يكون بعضهم فوق توقعاتنا. نعم حطت طائرة حمدوك بمطار الخرطوم وشرع في ترتيب أوراقه ولم يعد صابر الحلاق وحده الصابر، وإنما الشعب السوداني كله صابر وقوى الحرية والتغيير تتقدم خطوة للأمام وتتخذ ثلاث خطوات للخلف، وحمدوك يتمسك بشروط البرنامج وليس الأشخاص حتى لا يحدث انفلات وانقلاب على الثورة، وكل يوم تضيق الدائرة عليه.
المفاجأة التي ربما ستحبط الشعب السوداني (الصابر) الأخطر فيها أن التحرك المضاد حتى الآن هو من داخل الحرية والتغيير، وأن الثورة المضادة الحقيقية تنتظر تشكيل الحكومة لتسجل الهدف الذهبي، أما الخوف الأكبر بعد رفض حمدوك لبعض ترشيحات (قحت) والمواقف المتباينة لمكونات المعارضة التي يشن بعضها حرباً ضد بعض، أخشى أن يترك حمدوك يواجه مصيره وحيداً وبإمكانياته الذاتية، ففي هذا الوقت لابد أن يعي حمدوك أنه أمل الجميع من السودانيين بتياراتهم السياسية والفكرية المختلفة، يرون فيه شعلة ضوء يمكن أن تبدل الحال إلى حال أفضل، وهنا يجب أن تكون هذه نقطة تحرك حمدوك المحورية كي ينجح، فالتقييمات والتساؤلات المشار إليها مثل تساؤلات (صابر الحلاق) والشعب السوداني (الصابر الأكبر) تحتاج إلى انتباه منه واعتبار في اختياراته لمعاونيه، والمعادلة أمامه تبدو أصعب ما بين تحقيق النجاحات وطموحات الشعب وتردي الأوضاع أكثر مما كانت عليه، وبالتالي خذلان الجميع وسط مناورات المجتمع الدولي وملفاته الشائكة.
حمدوك ينتظره البعض أن يحقق نتائج فوق التوقعات ويحقق الدهشة التي رسمت حول شخصيته المهلمة. نجاحات تنزع عن صابر وآخرين الخوف وإلا سوف يصدم الجميع بصعقة كهربائية قاتلة تقابلها مواجهة أخرى تكون هي الأكثر وجعاً على كل الصابرين.