لم تكن “يسرى” تتوقع أن تتحول قصة لجوئها الصعبة، إلى نجاح اقتصادي حققته خلال زمن قصير في “بريمن” ، إذ بدأت ببيع المأكولات الشرقية على متن عربة، ثم أصبحت صاحبة مشروع يوظف العديد من العاملين.
الأمر نفسه حصل مع الشاب “ماهر”، طالب الهندسة، الذي وصل إلى هانوفر الألمانية، وأراد إتمام دراسته، لكن الجامعة رفضت احتساب سنوات دراسته في سوريا، ثم بدلت رأيها بسبب تفوقه، فنال البكالوريوس والماجستير خلال 3 سنوات، ونال فرصة عمل في شركة هندسية كبرى.
كذلك كان أمر الشاب “فراس”، الذي وصل خلال زمن قياسي من لجوئه إلى ألمانيا، لمنصب مدير فرع ماركة الألمانيّة COFFEE FELLOWS في قلب مدينة “مانهايم” الألمانيّة.
قصص النجاح السريع للشباب العرب في أوروبا كثيرة، وقد حاول الكاتب بركات عبيد، تلخيص ما يمكن منها، في كتاب “تستطيع إنجاز المهمة”، لكن السؤال يبقى ملحاً حول سبب تفوقهم في بلدان اللجوء، في حين عانوا الكثير في بلدانهم الأم؟
المنظمات الحكومية والخاصة، المعنية بالعناية بإبداع الشباب العربي، تبدو كثيرة في العالم العربي، إلا أن الشريحة الكبرى من الشباب، تضطر للهجرة، نتيجة معاناتها في الحصول على التبني والدعم.
وتشير أرقام منظمة الأسكوا التابعة للأمم المتحدة، إلى ارتفاع عدد المهاجرين العرب من فئة الشباب بين 15 و24 سنة، بشكل مضاعف، كل عشر سنوات تقريباً، حيث كان العدد عام 1990، قرابة 2343724 مهاجراً، لكنه في عام 2013، وصل إلى 4415890 مهاجراً.
الجامعة العربية، من جانبها، تؤكد في تقرير صدر عام 2008، أن نحو 50% من الأطباء العرب، و23% من المهندسين و15% من العلماء، يهاجرون إلى أميركا وكندا سنوياً.
وأن 54% من الطلاب في الخارج لا يعودون إلى بلادهم.
ولا يتفاجأ المتابع عندما يذكر التقرير أن 34% من الأطباء في بريطانيا هم من العرب. فلاشك أن هذا الرقم العائد إلى عام 2008، ربما تضاعف حالياً، بعد تفاقم الأحداث والأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها معظم العرب.
أرقام الهجرة المتصاعدة مع الوقت، تؤكد أن فعالية مؤسسات الإبداع العربية، محدودة. فمواقعها الإلكترونية وصفحاتها الرسمية، تشي بالكثير من ذلك، عدا عن معاناة بعضها من خلافات إدارية جعلتها تقصّر في هدفها الرئيسي.
ويقول تقرير الجامعة العربية، إن 20% من خريجي الجامعات العربية، يهاجرون للخارج، بسبب القيود المفروضة على حرية البحث العلمي والتفكير الحر.
ويستقر 75% من المهاجرين ذوي الشهادات العليا في أميركا وكندا وبريطانيا.
في الرياضة، اضطر اللاعب التونسي ديلان برون، للشغل في بداياته كعامل توصيل “سوشي” في مدينة كان الفرنسية، ثم تألق ولعب لصالح فريق “لاغنتواز” البلجيكي و”سيرفيت” السويسري و”ساليرنتينا” الإيطالي.
وكذلك حصل مع الظهير الأيمن الجزائري كيفين غيتون.
وتتكرر قصص النجاح، فكتلة اليسار في البرلمان الألماني، انتخبت المصرية أميرة محمد علي، لرئاستها عام 2019. أما الطفل ميسرة محمود، ففاز بجائزة “نمساوي العام” بعد أن قاد مبادرة لدعم كبار السن أثناء تفشي فيروس كورونا. كذلك حصل مع السورية سوسن درويشة في ألمانيا، حيث تمكنت من نيل وظيفة أول سائقة قطار بالعالم.
وتمتلىء جعبة المهاجرين العرب القدامى، بأسماء شخصيات برعت في السياسة والاقتصاد والعلوم والفنون والرياضة.
منهم العالم الفيزيائي منير نايفة، الذي قدم أهم شهادة دكتوراه خلال الـ100 عام الماضية إلى جامعة ستانفــورد. وكذلك العالم مصطفى السيد، المسمى بـ”جوهرة الكيمياء العربية” في جامعة فلوريدا، ومعهما عالمة الفيزياء شادية الحبال من جامعة سينسيناتي بولاية أوهايو الأميـركية. والقائمة تطول جداً.
تقول الباحثة الاجتماعية أليسار فندي لـ”إرم نيوز”:
“أسباب تفوق العرب في الخارج، أكثر من بلدانهم الأم، يعود لغياب القوننة وانعدام الدعم المالي، وعدم مواكبة المناهج التعليمية للحداثة، إلى جانب ضيق الفضاءات وعدم التحفيز في البلدان العربية”.
ويلاحظ على نشاطات المؤسسات المعنية بالإبداع، اقتصارها على المهرجانات وتقديم الجوائز كل فترة، لكن هذا لم يتمكن من إيجاد بيئة إبداعية فعلاً.
يقول الشاب، “علي”، إن شغفه بصنع الروبوتات، اصطدم بالكثير من الحواجز، بسبب عدم توفر المعدات وغلاء أسعارها، عدا عن سوء خدمات الاتصال بشبكة الانترنت، وغياب الطاقة في بعض الأحيان. ويضيف علي لـ”إرم نيوز”: “لا يمكنني الحصول على كمبيوتر بميزات عالية. كما لا يوجد مؤسسات تتبنى اختراعات الشباب وتقدم لها الدعم المطلوب، فكيف يمكن أن يبدع الإنسان ويتفوق؟”.
ورغم تأكيد تقرير الجامعة العربية بأن قيمة تحويلات المهاجرين العرب إلى بلدانهم الأم، تصل لنحو 25 مليار دولار سنوياً، إلا أن إنتاج المخترعين والعلماء في أوطانهم، سيعود عليها بالنفع أكثر، نتيجة براءات الاختراع والتصدير، لكن هذا يحتاج قرارات وميزانيات وبيئات مناسبة، تضمن بألا يهاجر المبدعون.