الحزب الجمهوري يطالب بوقف التدخل المصري في السودان

أعلن الحزب الجمهوري السوداني، بوقف التدخل المصري في السودان، ووقف نهب الثروات السودانية إلى مصر، مشيراً إلى المخاذي التاريخية لمصر تجاه السودان.

وقال في منشور:

أوقفوا التدخل المصري في السودان!!

المنشور الأول

العلاقة التاريخية السيئة:

عندما غزا محمد علي باشا، الحاكم التركي على مصر، من قبل الإمبراطورية العثمانية في تركيا، السودان في عام 1821م، كان هدفه استجلاب الذهب والرجال، ليستعين بهم في حروبه لتوسيع الإمبراطورية، وحماية وضعه في مصر.

ومع أن كبار القادة قد كانوا من الأتراك، إلا أن جنود محمد علي باشا، قد كانوا من المصريين. ولقد استخدمهم في كل المجازر، والمظالم البشعة، التي ارتكبها في السودان، ولم تكن جريمة السودانيين إلا عجزهم عن توفير مطالب الباشا التعجيزية. فحين حل إبنه إسماعيل باشا، أرض الجعلين، طلب من المك نمر أن يعطيه 1000 أوقية من الذهب، و2 ألف عبد ذكر، و4 ألف امرأة كجواري، وألف جمل، ومثلها من البقر، والضأن. وحين ذكر المك نمر أنهم لا يملكون كل هذا، استفزه الباشا، وضربه بـ “الكدوس”. فدبر له المك قتله ومن معه من الجنود، فكانت حملات الدفتردار الانتقامية، لتفوقه بالسلاح الناري، والتي قتل فيها 40 ألف من الجعلين وحدهم، في يوم واحد.

ثم كان الاستعمار التركي الغاشم، والذي كانت تحرك دولاب عمله المهارات المصرية. ولقد اشتهر الحكم التركي(1821-1885م) بالظلم الفادح، والذي لم يتعاطف فيه المصريون مع السودانيين، بل فضلوا التعاون مع المستعمر التركي، الذي كان يذلهم، وينهب ثرواتهم، مثل ما يفعل بالسودانيين.

ولقد كان الظلم التركي الفظيع من أسباب قيام ونجاح الثورة المهدية، رغم ما اكتنفها من قصور. ومع تدهور الإمبراطورية العثمانية، وضعف سلطانها، ضعف نفوذ الأسرة الخديوية الحاكمة في مصر، وتكررت اعتراضات ضباط الجيش المصري، بقيادة أحمد عرابي على الحكام الاتراك، واعوانهم من الشركس. فاستنجد الخديوي توفيق بالإنجليز، وهزموا عرابي في معركة “التل الكبير” في سبتمبر 1882م، وفرضوا وصايتهم على مصر، وسيطروا على مواقعها الحيوية، وعلى قناة السويس، وتم نفي عرابي إلى جزيرة سيلان. في عام 1897م فكرت بريطانيا في احتلال السودان للسيطرة على منابع النيل، وإيقاف تقدم الفرنسيين من جهة فشودة في جنوب السودان. ولما كانت مصر مشاركة في حكم السودان من قبل مع الأتراك، ولما كان الإنجليز لا يستطيعون إحضار اعداد كبيرة من بلادهم، لتقوم بالإدارة لهذا البلد الكبير، ولما كانت الحكومات المصرية لعبة في أيديهم، فكروا من الاستفادة من المصريين في حكم السودان، تحت قيادتهم، فوقعوا اتفاقية الحكم الثنائي، بين مصر وبريطانية في 19 يناير 1899م. وقد وقع عن مصر وزير الخارجية بطرس باشا غالي، ووقع عن بريطانيا اللورد كرومر. فكان الحكم الثنائي هو الاستعمار الثاني لمصر على السودان. ولقد كان المفتش دائماً بريطانياً، ونائبه الذي يواجه المواطنين هو المأمور المصري. وبالرغم من كل جور وعسف الاستعمار، كان السودانيون يرون أن المصريين أقرب إليهم من الإنجليز. وبدأت من وقت مبكر، تظهر بينهم الحركات والكيانات، التي تحاول استمالة المصريين، ليقفوا معهم ضد الإنجليز، ولكن المصريين كانت عينهم دائماً على موارد السودان، ومحاولة استغلالها لأبعد مدى، دون رعاية لجوار، أو قربى بين الشعبين.

وبمطالبة من الحكومة المصرية للإنجليز، لإيقاف توسع السودان في الزراعة، واستغلال المزيد من الماء، قامت بريطانيا بعقد اتفاقية مياه النيل عام 1929م. ومثلت بريطانيا، في تلك الاتفاقية، كافة دول حوض النيل ( السودان ويوغندا وكينيا وتنزانيا)، وكان الطرف الثاني في الاتفاق الحكومة المصرية. وبالرغم من أهمية دول حوض النيل، وبالرغم من أن ثلثي النيل يجري في الأراضي السودانية، أعطت الاتفاقية مصر 55.5 مليار متر مكعب، وأعطت السودان 18.5 مليار متر مكعب! وهكذا استغلت الحكومة المصرية تحالفها مع الإنجليز، وغياب السودان تحت الحكم الاستعماري، لتستغل موارده المائية دون وجه حق إلا الطمع القديم.

لقد فرح كثير من السودانيين بقيام ثورة 23 يوليو 1952م في مصر. فقد كنا نتصور أن سياسة مصر تجاه السودان، ستتغير بعد الإطاحة بحكم الخديوية، ووجود حكومة مصرية وطنية، تلقى تأييداً كبيراً من الشعب المصري. ولكن نظام عبد الناصر، كان أشد تدخلاً في السودان. إذ حاول توجيه الحراك للاستقلال ليصب في مصلحة مصر، وتبنى مساعدة الأحزاب السودانية، التي تدعو للوحدة مع مصر، مثل الحزب الوطني الاتحادي، وحزب وحدة وادي النيل، وحركة الأشقاء، وغيرها. وكان يريد لها أن تتبنى إعلان الوحدة مع مصر، بمجرد انتهاء فترة الانتداب البريطاني، الذي استمر لمدة ثلاثة سنوات. ولكن ما حدث هو إعلان الاستقلال التام، من داخل البرلمان، عن الاستعمار الثنائي الإنجليزي المصري في يناير 1956م. أما التدخل السافر فهو إعلان حكومة عبد الناصر، في مذكرة بتاريخ 9 فبراير 1958م، أنها تريد إجراء الاستفتاء على الوحدة بين سوريا ومصر في حلايب، باعتبارها تابعة للأراضي المصرية. وأرسلت قوات عسكرية لتؤمن المنطقة. في 20 فبراير 1958م أعطى رئيس الوزراء السيد عبد الله خليل، اوامره للجيش السوداني بالتأهب لحرب مصر، إذا لم تنسحب من حلايب فوراً. وفي 21 فبراير 1958م أعلنت مصر الانسحاب التام من حلايب. أما تدخل نظام عبد الناصر الثاني، فكان خداع نظام عبود العسكري، وإغراق منطقة حلفا، من أجل أن تبني مصر السد العالي. وتم ترحيل مواطنين سودانيين، من منطقتهم التي عاشوا فيها لمئات السنين، ولم تكن تعويضات الحكومة المصرية، كافية لمصاريف ترحيلهم إلى منطقة خشم القربة، بعد أن أغرقت منطقتهم الاثرية القديمة لمصلحة مصر.

لقد كانت حكوماتنا الوطنية، بصفة عامة، ضعيفة أمام الحكومات المصرية. غير أن الحكومات الديمقراطية، والتي يسمع فيها صوت الشعب، كانت أفضل حالاً من الحكومات العسكرية. وحين جاء نظام نميري العسكري، كان يتجه للتكامل بين مصر والسودان، إبان فترة عبد الناصر، وواصل في التبعية والخضوع لمصر في عهد السادات.

وحين جاء انقلاب 30 يونيو 1989م العسكري، اعتمد على الحركة الإسلامية، التي كانت توجه بواسطة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. فقرر الإتفاق مع الإخوان المسلمين المصريين، ضد نظام الرئيس حسني مبارك، ولذلك قام بمحاولة اغتياله في 26 يونيو 1995م، اثناء تواجده بأديس أبابا، لحضور مؤتمر الدول الإفريقية. ولكن المحاولة فشلت، ووجه الإتهام للنظام السوداني، فخاف الرئيس البشير، وأصبح خاضعاً تماماً للنظام المصري. وانتهز النظام المصري هذا الضعف، فاستعاد منطقة حلايب، وأضاف إليها شلاتين، وأبو رمادة وقام  باستغلال كافة موارده، وإلحاقه رسمياً بالدولة المصرية. وفي إتجاه التملق، والانبطاح لمصر، ظل قادة نظام الإخوان المسلمين أمثال علي كرتي، يدعون مصر للدخول لأراضي السودان، واستثمارها، بدعوى أن الإقليم الشمالي قليل السكان، بينما تعاني مصر من ضائقة وازدحام وشح في الموارد.

ولم يتعرف الشعب على مبلغ خيانة نظام البشير، ومدى صمته وتواطؤه مع الحكومة المصرية، على نهب خيرات البلاد، حتى قامت ثورة ديسمبر المجيدة في عام 2019م، وأوقف شباب المقاومة، الشاحنات المصرية في الشمال، وصوروا كيف أن محصولاتنا الغذائية، وثروتنا الحيوانية، كانت تشترى من المصريين بالعملة المحلية، وليس بطرق التصدير العالمية المعروفة!! أكثر من ذلك كانت تشتري بعملة سودانية مزورة!! لا قيمة لها يتم طبعها في مصر!! هذا بالإضافة إلى الذهب، الذي كان يهرب، وسط الحبوب والمواد الغذائية.

إننا لا ندعو للقطيعة مع مصر، ولكننا نرفض تدخلها في بلادنا، ونهبها لمواردنا، ومساعدة الحكومات الدكتاتورية في السودان ضد شعبها، كما ندين موقفها من الحرب، الجارية الآن في السودان، والذي سوف نفصله لاحقاً.

الحزب الجمهوري

12 نوفمبر 2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى