سوء تقدير !!

سوء تقدير !!

صباح محمد الحسن

المتأهبون لكل لحظة إطفاء للأحلام غالباً ما يمنحون فرصة للضوء في طريقهم دون دراية ليتسلل على مهله، وجمعيهم جبِلوا على فن الاستعراض على الخشبة دون معرفة ما تنتجه الكواليس!!

وبقصد أو بدونه ينسف الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الانقلابي توقيعه على «اتفاقات إبراهام»، المتعلقة بتطبيع العلاقات السودانية مع إسرائيل ويحدد علاقته المستقبلية معها وهي الخطوة التي مهد لها من قبل بقبول واستقبال قادة حماس على الأراضي السودانية.

ووقف عبد الفتاح البرهان خلال القمة العربية الإسلامية المنعقدة في الرياض وقال انه يطالب بالسلام الدائم في الشرق الأوسط الذي رهن تحقيقه بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة وناشد المجتمع الدولي بضرورة حل للدولتين ووقف التهجير القسري لسكان غزة.

وقد يجد الموقف القبول عند الكثيرين من عامة الشعب السوداني سيما ان الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال في حق المدنيين في غزة هي جرائم ضد الإنسانية وأن الشعب الفلسطيني عانى لسنوات من هذا الاعتداء على ارضه وشعبه هذا جانب، ولكن وبمقياس سياسي فإن البرهان بهذا التصريح نسف بلا شك أحلامه وامنيات النظام البائد قبل أن تولد في كسب ود الإدارة الامريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامبالرئيس المعروف بمواقفه الواضحة من إسرائيل ، فبالرغم من أنه يقول أمريكا اولا، إلا أنه وإن وجد نفسه على واجهة استفهام عن الدولة التي تعنيه بعد بلاده وجاء لخدمتها لقال إسرائيل ثانياً.

فالرجل تباهي في حملته الانتخابية بأنه كان عراب اتفاقية إبراهام حيث قال إنه يجدد عزمه على تحقيق “سلام دائم” في الشرق الأوسط عبر استئناف وتوسيع “أبراهام” مشيراً إلى أن إدارته السابقة تمكنت من إبرام هذه الاتفاقيات مع عدة دول عربية، وأنه كان سيضم ما يصل إلى 15 دولة جديدة في فترة لا تتجاوز سنة واحدة لو لم تنته ولايته، وأكد مجدداً أنه سيعمل على توسيع الاتفاقيات فور عودته إلى البيت الأبيض، وكسب بذلك الرجل الصوتي اليهودي المؤثر في الانتخابات بل ذهب ترامب إلى أكثر من ذلك وتحدث فيما يتعلق بالحرب التي تشنها اسرائيل على فلسطين ولبنان وايران وغيرها من الدول، وعلق على ذلك بقوله (إن إسرائيل لها كل الحق في حماية نفسها).

أي ان ما ذكره البرهان من جرائم ارتكبتها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لا يراه ترامب

لذلك أن المجاهرة بهذا الموقف الصريح في هذا التوقيت والذي لو قامت به كل الدول المجتمعة علنا قد لا يكون له شديد تأثير عليها سيما ان أغلبها يطبع مع إسرائيل، ولكن يأتي وقع هذا التأثير على حكومة البرهان في هذا الظرف الحرج سلبا بلا شك، لأنه يحدد موقفا جديدا يضع حكومة السودان في المحك، علما بأنها الآن أكثر حاجة للدبلوماسية في الخطاب السياسي، حتى تتجاوز محنتها والظرف الذي فيه وهذا الأمر إن كان للبرهان حنكة سياسية او خبرة او حتى مستشارين لقدم دعمه لفلسطين بألف طريقة اخرى او كان يكفيه قبوله لاستضافة قيادة حماس على الأراضي السودانية ، حتى لا يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع اسرائيل ومع الإدارة الأمريكية.

فربما تمثل هذه التصريحات للرئيس الامريكي إلى أن القيادة العسكرية في السودان تضع نفسها على قائمة الدول التي تعلن وتجاهر بالعداء مع اسرائيل تلك الدولة التي أصبحت ترسل صواريخها في البلاد الأخرى اسرع مما ترسل السفراء والوفود.

فهذا الموقف الصريح المباشر سياسيا قد يجلب الضرر ويعزز من عزلة البرهان ويفتح جبهات خارجية للتدخل الذي لن يأتي في صالحه سيما في تسارع خطوات حرب المحاور والمصالح كما انه ايضا يمحو كل جهود الحكومة الكيزانية في عملية كسب المواقف الخارحية، سيما أنها تسعى لتغيير الصورة في كثير من التقارير التي دفعت بها المنظمات الحقوقية إلى إدارة بايدن .

ولكن بهذا التصريح كشف البرهان بطريقة اخرى انه ضد سياسة ترامب وأهدر فرصته بسوء الخطاب السياسي الخارجي في هذا التوقيت خاصة انه يسعى أن يغفر له المجتمع الدولي ما ارتكبه في حرب 15 ابريل عله يفلت من المحاسبة، في الوقت الذي يطالب فيه بضرورة إدانة اسرائيل عما ارتكبته من جرائم شبيهة في غزة!!

واتخاذ مثل هذه المواقف لبلد هي نفسها تعاني من حروب وتهجير قسري للسودانيين وكان يجب أن (يكفيها همها)!! لأنه يجلب كثير من المخاوف لذهنية سياسية متعقلة، ولكنه قد يكون مجرد موقف عاطفي مع فلسطين يصفق له البعض دون حساب نتائجه المستقبلية!!

وتصريحات البرهان وتحديد موقفه المباشر قد لا يضير دولة مستقرة تريد أن تتباهى بمواقفها أمام العالم ولا يهمها إن غضبت عليها الدول الكبرى او رضيت عنها ولكنه لن يكون موقفا مربحا الآن في زمن يعيش فيه السودان اسوأ من ظروف غزة، وتحتاج الحكومة الانقلابية لوقوف أي دولة معها لتدعم موقفها وان حاجة الحكومة الكيزانية الآن لدعم ترامب لها اقوى من أي وقت مضى !!

ولكن وبقراءة اخرى قد يأتي ذلك في مصلحة وقف الحرب وينسف أحلام البرهان وفلوله وقد يراه الشعب السوداني يصب في نهر أمنياته لطالما أن اغلبه يتطلع إلى أن تقف هذه الحرب ولو يذهب الجميع إلى الجحيم، وإن أي ردة فعل لترامب تجاه عملية نكث البرهان لعهده في اتفاقية إبراهام ربما تأتي على قالب قرار يمكن أن يحدث فرقا ويعجل بوقف الحرب بدلا من استمرارها.!!

الجريدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى