بهلوانيات (توم بيريلو) وبلاهته!

بهلوانيات (توم بيريلو) وبلاهته!

عبد الرحمن الكلس

مرة أخرى، يمارس المبعوث الأمريكي “توم بيريلو” بهلوانياته وبلاهته، ناظراً إلى السودان بعين واحدة، حيث قال في تصريحات صحفية أمس من العاصمة الأوغندية كمبالا، بخصوص مشاركة مصر في حرب السودان إلى جانب الجيش وقيامها بالقصف الجوي: إن بعض المزاعم غير دقيقة في بعض الأحيان، (كافة) الدول المجاورة ودول المنطقة تدعم عملية السلام والحوار السياسي المدني ودعم الجهود الإنسانية. وأضاف: “الحكومة المصرية كانت شريكاً استراتيجياً مهماً في جهودنا الرامية إلى توسيع المساعدات الإنسانية، والترحيب باللاجئين، والوساطة، وأنهم بذلوا الكثير من الجهود لمحاولة إنهاء هذه الحرب”.

حديث المبعوث الأمريكي هذا إضافة إلى كونه إستهبالاً وكذباً صريحاً، خصوصًا فيما يتعلق بجهود مصر لوقف الحرب، ما يجعله آخر شخص يمكنه الحديث عن هذا الأمر. فقد أتت به مصر من جنيف و”لطعته” في القاهرة لمقابلة وفد البرهان الذي لم يأتِ أصلًا بتنسيق مسبق مع مصر نفسها. ولو كان هذا المبعوث يمتلك الحد الأدنى من الاستقامة، لاستقال من منصبه بعد هذا الموقف. وأيضاً، فإن نفيه لاشتراك مصر في حرب السودان لا يجرؤ أي مسؤول مصري على التفوه به دون أن يرمش ويتلعثم ويتلكك. فاشتراك مصر في الحرب أصبح من المسلمات التي لا ينكرها حتى المصريون أنفسهم، وهو أمر تجاوز النكران إلى الفخر هنا وهناك، وصار حتى قادة الجيش السوداني يفاخرون به، وأصبحوا له (مبسوطين أوي). بل هو أمر معلوم لأمريكا، التي يفتقر مبعوثها إلى الاستقامة والنزاهة الكافية التي تجعله يغلق فمه، إذ لا يوجد أحد إلا ساذج من يعتقد أن الجيش المصري يمكن أن يتدخل لصالح الجيش السوداني بدون علم أو أخذ ضوء أخضر أمريكي. ثم إن السودانيين لا يتهمون مصر بالاشتراك في الحرب فحسب، بل يعرفون دورها في انقلاب (البرهان) على حكومة الثورة وتخطيطها لهذه الحرب بالتفصيل، والخرطوم مدينة لا تعرف الأسرار!

نعود ونكرر أن عدم نزاهة المبعوث الأمريكي والإدارة الأمريكية الحالية التي يمثلها ليست ضعفاً أخلاقياً فحسب، بل تعكس أيضاً أجندة سياسية. فتوجه هذه الإدارة لدعم الإسلام السياسي في المنطقة، وخاصة في السودان، يعود لسببين رئيسيين: أولهما، هو الاختراق الاستخباراتي العميق للحركة الإسلامية السودانية، التي تعتبر استثماراً ضخماً للمخابرات الأمريكية لا ترغب في التخلي عنه، ولهذا تتغاضى عن دعم مصر للجيش الذي تسيطر على قيادته الحركة الإسلامية في هذه الحرب التي تهدف بشكل أساسي إلى إعادتها إلى الحكم.

أما السبب الثاني، فهو أن الإسلام السياسي، في نظر دوائر متعددة داخل الولايات المتحدة وخارجها، هو القوة الوحيدة القادرة على تقسيم السودان، وهناك من يسعى لتحقيق هذا الهدف. ويتضح هذا في بعض المؤشرات التي بدأت الآن بالظهور لتحقيق هذا الغرض، مما يستدعي أن تتنبه القوى الديمقراطية السودانية إلى هذه المؤامرة وتناهضها مبكراً قبل أن تقع ضحيةً في فخ القوى الدولية التي تسعى إلى تقسيم السودان.

كما يبدو واضحاً الآن أن هدف البرهان الرئيسي هو تأسيس ما يُعرف بدولة “البحر والنهر”. ولكن لسوء تدبير الإدارة الأمريكية الحالية، فإن الحركة الإسلامية السودانية ليست مخترقة من قبلهم وحدهم، بل من عدة قوى أخرى، وأهمها إيران وروسيا وتركيا وقطر.

رغم كل البهلوانيات السياسية التي يقوم بها المبعوث الأمريكي وإدارته، يبقى المركز الأقوى داخل الحركة الإسلامية السودانية هو المرتبط بإيران. ولهذا السبب، فإن هذه البهلوانيات الأمريكية لا تخدم في النهاية سوى إيران وروسيا!

إن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية، إذا ما كُتب لها الفوز بولاية جديدة، قد تقود السودان إلى كارثة؛ فسياساتها الحالية ستنتهي بتمكين إيران وروسيا والصين في السودان، وربما من خلاله في كامل القارة الإفريقية. وهذا، بالطبع، إذا لم يقاوم الشعب السوداني هذه السياسة بحزم.

لكن، يبقى الأمل كبيراً في أن يقاوم السودانيون هذه السياسات التي لا تهدف إلا لتفتيت السودان وتعزيز مصالح قوى دولية على حساب معاناة شعبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى