وزير سوداني بمواصفات مصرية
نجم الدين دريسة
وزير خارجية البرهان ظل بدأ يمارس نشاطه المرسوم له بدقة دون الرجوع حتى لمقر إقامة الحكومة في بورتسودان لأداء مراسم القسم والتسليم والتسلم من الوزير السابق والوقوف على الترتيبات الادارية الخاصة بمكتبه والاطلاع على الملفات الخاصة بالحقيبة الوزارية التي عهدت إليه.. قبل كل هذه الاجراءات التي هي من الأعراف البديهية المعلومة بالضرورة… لكن يبدو واضحاً أن وزير خارجية عبد الفتاح البرهان ربما تم تعيينه بتعليمات وأوامر من عبد الفتاح السيسي (مفيش فرق) خاصة وأن الرجل هو صديق مصر الأول وكان يشغل منصب رئيس المبادرة الشعبية لدعم العلاقات السودانية المصرية.. وهي مبادرة مصرية الصنع ومدعومة بشكل أساسي من الحكومة الرسمية وكأن العلاقات الشعبية المصرية تحتاج إلى مبادرة.. وكما هو معلوم بالضرورة ان الشعب السوداني ظل يتأذى باستمرار من مصر الرسمية التي ظلت تتآمر علي السودان على مدى قرن من الزمان بتدخلها السافر والبغيض في الشأن السوداني بسرقه موارده ومقدراته وثرواته وقتل شعبه عبر الفتن والصراعات والحروب وإجهاض ثوراته الشعبية والوقوف مع الانظمة الدكتاتورية ضد خيارات الشعب السوداني في الحكم تلك هي حقائق دامغة تؤكد حقيقة تعاطي السلطات المصرية على مر التاريخ مع الأزمة السياسية في السودان .
في لقاء لوزير الخارجية الجديد مع الوزير المصري أشار الأخير إلى أن بلاده بصدد استضافة الملتقي الثاني للقوى المدنية بالقاهرة.. الملتقى الأول نفسه كان عبارة عن جوقة من الدهماء والمتردية والنطيحة وعملاء الدولة المصرية.. اختلفوا فيما بينهم ونصفهم رفضوا التوقيع على ما اسموه خارطة طريق لحل الأزمة السودانية … الذي يجعلك ترفع حاجبك فوق مستوى التعجب والدهشة أن الدولة المصرية تتحدث عن الأزمة في السودانية وهو توصيف كاذب ومخاتل وموغل في الدسيسة والخداع لأن السلطات المصرية التي ظلت تصنع في كل الأزمات بما فيها حرب 15 أبريل 2023 عبرها دوائر نفوذ ظلت تمتلكها قبل ما يعرف بالاستقلال وأكبر دائرة نفوذ للمخابرات المصرية هو الجيش السوداني الذي ظل مخلب قط للسطات المصرية لضرب الهبات الشعبية وإجهاض التحول المدني الديمقراطي في السودان منذ انقلاب 1958 … وبالتالي هي غير مؤهلة أخلاقياً لتقديم أي مبادرة أو استضافة مؤتمر أو ملتقى لأنها متورطة في حرب الخامس عشر من أبريل وقبلها انقلاب البرهان 2021 وبالتالي هي متآمرة بشكل دائم على الشعب السوداني وعلى قوى الثورة والقوى المدنية وهذا ما يجعلها على الدوام تطبع مع القوى المعادية الثورة أو ما يعرف بقوى الردة وهي الآن تستضيف مدير جهاز مخابرات نظام المخلوع البشير ..الفريق أول صلاح قوش ورئيس وزرائه محمد طاهر إيلا وعدد من رموز النظام المباد وغرفهم الإعلامية وطيرانهم وما خفي أعظم .
المضحك أن مصر الرسمية لا تزال سادرة في غييها وتشير في معظم التصريحات الخاصة بمسؤوليها عن دعم مصر الكامل لمؤسسات الدولة السودانية.. عن أي مؤسسات يتحدثون والسودانيين حتى لحظة كتابة هذه السطور خرجوا في عدد من الثورات من أجل بناء وتأسيس دولة سودانية على أسس جديدة عادلة وهذا يؤكد أن هذه المؤسسات حتى الشعب السوداني لا يدعمها لأنها لا تمثله ولا تعبر عنه فما الذي يجعل مصر تتمسك بمؤسسات الدولة السودانية لأنها مؤسسات نخبوية مرتبطة ومرتهنة وتمارس كل أشكال الاذعان والخضوع والرضوخ للدولة المصرية.. وهي مؤسسات تحافظ على المكتسب التاريخي للقاهرة وهي حقائق استوعبها شعبنا تماما وقادر على التعاطي معها بذهنية مفتوحة ووضع حد للاستغلال والغطرسة والبلبسة المصرية والكل فهم أن مصر هي الجارة التي تفوق سوء الظن العريض.