Site icon صحيفة الصيحة

الاستبدالات الوزارية في السودان: التسويق لحكم البرهان مهمة مستحيلة

كثرة التكليفات والاستبدالات تشير إلى عدم قدرة حكومة الأمر الواقع على القيام بمهامها، ووجود ارتباكات كبيرة في دولابها.

يحاول قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان التسويق لاستقرار حكمه من خلال التعيينات والاستبدالات الوزارية، لكن الوزراء الذين تم تعيينهم الأحد، أيا كانت قدراتهم وخبراتهم، سيجدون أن التسويق لنظام يعيش على الأزمات مهمة مستحيلة خارجيا، سواء دبلوماسيا أو إعلاميا، وداخليا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها السودانيون بين نازحين ولاجئين.

ويجد البرهان متعة في استبدال الوزراء وكبار المسؤولين والسفراء من حين إلى آخر، تشعره بأنه “سيّد قراره”، ولا يزال يتحكم في مقاليد الأمور، على الرغم من فقدانه نحو 70 في المئة من أراضي البلاد، تسيطر عليها قوات الدعم السريع، بعد اندلاع الحرب بينهما.

وأجرى الجنرال البرهان تغييرا حكوميا في أربع وزارات، هي: الخارجية، والثقافة والإعلام، والتجارة، والأوقاف. وجميع الوزراء الجدد جرى تعيينهم بالتكليف وليس بالتشاور مع أي جهة سياسية، وهو تقليد متبع منذ الانقلاب العسكري والإطاحة بالحكومة المدنية في أكتوبر 2021، ويؤكد ضرورة ولاء المكلفين لمن قام بتكليفهم، حيث يستطيع عزلهم في أي لحظة.

وتشير كثرة التكليفات والاستبدالات إلى عدم قدرة حكومة الأمر الواقع على القيام بمهامها، ووجود ارتباكات كبيرة في دولابها، والذي لا أحد يعلم بالضبط هل مهمته رفع المعاناة عن المواطنين أم السعي لوقف إطلاق النار والبحث عن حلول تفاوضية.

ورسخ في أذهان كثيرين أن التغييرات المتواصلة في تركيبة الحكومة هي دليل فشل في كل ذلك، وأن البرهان يحاول الإيحاء بأنه صاحب سلطة حقيقية، في حين أن البلاد تجاوزت عمليا سلطته، وباتت هناك مناطق عديدة خارجها، ما يقلل من أهمية أي تغيير يقوم به، وربما تكون وزارة الخارجية الأكثر حضورا في بعض المؤتمرات التي يدعى إليها السودان، ويمثلها من يشغل حقيبتها.

ويقول مراقبون إن مرور الوقت يزيد احتداد الأزمة التي أثقلت كاهل المواطنين، وإن التغييرات التي تتم من حين إلى آخر غير ذات جدوى ولا تهمهم، فعدد كبير من السودانيين صاروا لاجئين ومشردين ومطحونين، ومن استقروا في مناطقهم لا تعنيهم الحكومة وتركيبتها في شيء، حيث يدبرون احتياجاتهم اعتمادا على الإدارات الأهلية التي تقوم بدور الحكومة في أماكن كثيرة؛ لذلك لا تعنيهم سلطة البرهان المنعزلة والقابعة في بورتسودان، خاصة أنها لا تقدم ما يمكن أن يعين الناس على تجاوز الحرب اللعينة.

ويذكر المراقبون أن تغيير الوجوه لن يضيف إلى الحكومة تأثيرا في الداخل أو الخارج، وإذا كانت قد فشلت في استثمار التقارير التي تحمّل قوات الدعم السريع مسؤولية بعض الانتهاكات الإنسانية، فإن تعيين وزراء جدد لن يكون كفيلا بتبييض وجه البرهان وسلطته، والتي توزعت ولاءاتها بين الحفاظ على أمن واستقرار الدولة وبين الدفاع عن مصالح الحركة الإسلامية التي تجد في استمرار الحرب هدفا، وعدم الاهتمام بتخفيف المعاناة الكارثية التي يواجهها عدد كبير من المواطنين.

وتم تكليف السفير المتقاعد علي يوسف الشريف بمهام وزير الخارجية، والإعلامي المقيم في لندن خالد علي الأعيسر بمهام وزير الثقافة والإعلام، وعمر بانفير بحقيبة التجارة والتموين، وكلّف عمر بخيت وزيرا للشؤون الدينية والأوقاف.

ونشر مجلس السيادة السوداني على صفحته في فيسبوك اعتماد البرهان قرارات مجلس الوزراء الانتقالي بإنهاء تكليف كل من وزراء: الخارجية حسين عوض بعد سبعة أشهر من تعيينه، والثقافة والإعلام جراهام عبدالقادر، والشؤون الدينية والأوقاف الفاتح عبدالله يوسف، ووزير التجارة الفاتح عبدالله يوسف، المقال في يوليو الماضي.

وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) المعز حضرة إن “التعديلات في حكومة الأمر الواقع لا تنفصل عن مساعي الحركة الإسلامية ممثلة في المؤتمر الوطني لدفع منسوبيها من الدرجة الثالثة والرابعة إلى الإمساك بمفاصل الدولة”.

وأضاف لـ”العرب” أن “فرقاء الصراع الدائر بين القوى المتحالفة مع الحكومة الحالية، بما فيها الحركات المسلحة التي تقاتل بجانب الجيش، ومجموعات قبلية في الشرق والغرب والوسط يرغبون أيضا في دفع أتباعهم إلى داخل هياكل السلطة، ويهتمون على نحو كبير بوزارتي الإعلام والخارجية، لحضورهما على المستوى الدولي”.

البرهان يجد متعة في استبدال الوزراء وكبار المسؤولين والسفراء من حين إلى آخر، تشعره بأنه “سيّد قراره”، ولا يزال يتحكم في مقاليد الأمور

وأوضح أن وزير الإعلام الجديد خالد الأعيسر يحاول الوصول إلى هذا المنصب منذ حكومة الفترة الانتقالية التي قادها عبد الله حمدوك، وبعد الانقلاب على السلطة لعب على فكرة إبداء آراء معارضة يمكن أن تلاقي قبولاً لدى القوى الثورية أو المكون العسكري، مشيراً إلى أن تعيينه في الوقت الحالي يرتبط بحاجة سلطة البرهان إلى الدفع بوجه ينفذ ما تُمليه عليه، رغم أنه شخص غير مؤهل لقيادة وزارة بحجم وزارة الثقافة.

ويظل الاستحواذ على العلاقات الخارجية عاملاً مهمًا بالنسبة إلى الحركة الإسلامية، بما يساهم في استعادة تأثيرها في بعض المواقف على الساحة الخارجية. غير أن الوزارات التي طالها التغيير، بما فيها الشؤون الدينية والتجارة والتموين، لا تحوز اهتمامات الناس حاليا.

وهناك وزارات أكثر أهمية كان من المفترض أن يشملها التغيير بسبب معاناة المواطنين من الجوع والنزوح والمرض. وتقديم الدعم الإنساني كان يجب أن يأتي في المقدمة عبر استحداث وزارة للنازحين تكمن مهمتها في تقديم العون إليهم.

وشدد المعز حضرة في حديثه لـ”العرب” على أن “التعديلات الأخيرة لا تلبي احتياجات المواطنين، وهي في مجملها استكمال لقرارات عبثية ولا قيمة لها، تعكس حقيقة الانفصال التام عن الشارع، وتعزز فرضية وجود خلافات عميقة في الحكومة، وتصاعد الصراع على السلطة والثروة مع حلفاء الجيش، ويتضح ذلك من خلال تصريحات الفريق ياسر العطا التي زعم فيها وجود محسوبين على قوى الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع داخل الحكومة”.

وانتقلت حكومة الأمر الواقع إلى بورتسودان على البحر الأحمر في شرق البلاد واتخذتها مقرا لها بدلا من العاصمة التاريخية الخرطوم، وذلك عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل نحو عام ونصف العام، وتتكون من 15 وزيرا.

العرب

Exit mobile version