كتيبة البراء: نقص في المقاتلين أم تصعيد جديد؟!

كتيبة البراء: نقص في المقاتلين أم تصعيد جديد؟!

تقرير: منعم سليمان

خلال الأسبوع الماضي، انتشر تسجيل صوتي على نطاق واسع عبر الوسائط المختلفة لأحد قيادات “كتيبة البراء بن مالك”، وهي مليشيا من ضمن “كتائب الظل” التابعة للحركة الإسلامية السودانية، التي ظهرت في الساحة العسكرية مع اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023. وقدم التسجيل دعوةً للسودانيين المقيمين خارج البلاد للانضمام إلى صفوف الكتيبة كـ”مجاهدين” في الحرب ضد قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى تقديم تسهيلات للراغبين تشمل تذاكر الطيران، الإقامة، والإعاشة، وصولاً إلى التدريب العسكري. كما أشار التسجيل إلى حل أي مشكلات تخص وثائق السفر أو الإقامة، والتي تكون عادةً متعلقة بالسفارات والقنصليات السودانية، مما يسلط الضوء على التنسيق بين الحركة الإسلامية ووزارة الخارجية التي يتردد على نطاق واسع أن الأمين العام للحركة، علي كرتي، يديرها من وراء الستار.

بعد ساعات من نشر التسجيل، كتب قائد مليشيا كتيبة البراء، “المصباح أبو زيد طلحة”، منشورًا عبر “فيسبوك”، داعيًا السودانيين للمشاركة في القتال، قال فيه: “هل هناك عذراً لقاعد بعد الآن؟” في إشارة صريحة إلى تقديم تسهيلات لتجنيد السودانيين بالخارج.

خلفية عن كتائب الظل ونشأة البراء بن مالك:

سمع السودانيون لأول مرة عن “كتائب الظل” بعد اندلاع الثورة الشعبية في ديسمبر 2018، عندما أطلق علي عثمان محمد طه، الأمين العام السابق للحركة الإسلامية، تصريحات تهديدية ضد المتظاهرين، قائلاً: “لدينا كتائب ظل تعرفونها”. وبعد نجاح الثورة، تراجعت سيرة الكتائب، وابتعدت عن المشهد العسكري المباشر، وبدأت تعمل في الخفاء لتقويض الحكومة الانتقالية وخلق أزمات داخلية بهدف عرقلة الانتقال الديمقراطي. كما أسست كتائب إلكترونية كانت تعمل على نشر الإشاعات والتحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة على “فيسبوك”.

ومع انقلاب 25 أكتوبر 2021 بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وبدعم من الإسلاميين، ظهرت كتائب الظل للعلن مجددًا، مؤيدة للانقلاب ومعبرة عن دعمها له. وعقب اندلاع حرب 15 أبريل 2023، أعلنت (كتيبة البراء بن مالك) عن نفسها رسميًا، متباهيةً بأسلحتها الثقيلة وملابسها العسكرية، في إشارة واضحة إلى دعم الجيش ضد قوات الدعم السريع.

دلالات نداء كتيبة البراء:

يكشف نداء (كتيبة البراء بن مالك) للسودانيين بالخارج عن احتمالين رئيسيين: الأول، أن الكتيبة قد تكبدت خسائر فادحة أمام قوات الدعم السريع، ما أدى إلى تراجع أعداد مجنديها، خاصة بعد محاولتها التقدم إلى منطقة “المقرن” وسط الخرطوم بداية الشهر المنصرم، والتي باءت بالفشل وأدت إلى مقتل العديد من أفراد الكتيبة، وقد ظهر ذلك بوضوح في إعلانات النعي التي أعقبت محاولة السيطرة على المقرن.

الاحتمال الثاني، هو فشل نداء الاستنفار وفشل كل الجهود لتجنيد المدنيين داخل السودان، رغم الترويج الإعلامي المكثف عن استجابة الآلاف للقتال ضد قوات الدعم السريع.

وفي سياق آخر، سبق أن أعلن قائد الكتيبة في أبريل الماضي عن ارتفاع عدد أفراد الكتيبة إلى 21 ألف جندي، ما جعله يعلن عن تحويلها إلى لواء لهذا السبب، ما يثير التساؤلات حول مصير هذا العدد الكبير، وما إذا كانوا قد قُتلوا جميعهم في الحرب ضد قوات الدعم السريع، الأمر الذي جعل الكتيبة تطلق نداءت التجنيد.

سيطرة الإسلاميين على الجيش السوداني:

عملت الحركة الإسلامية منذ انقلاب 1989 على السيطرة على الجيش وتحويله إلى جيش عقائدي يدين بالولاء لها، عبر سلسلة من التدابير تضمنت إحالة آلاف الضباط الوطنيين إلى التقاعد، واستبدالهم بطلاب موالين للحركة الإسلامية بعد إدخالهم الكليات العسكرية والحربية، وإقصاء الضباط غير المنتمين للحركة الإسلامية. وكانت نتيجة هذه الجهود جيشًا مختلاً في هيكلته وعقيدته، ومواليًا لأيديولوجيا الإخوان المسلمين، مما أدى إلى تعقيد وضع الجيش وأثّر على بنيته الوطنية وعقيدته العسكرية.

لمحة تاريخية عن نفوذ الإسلاميين داخل الجيش:

يُعتبر علي كرتي، الأمين العام الحالي للحركة الإسلامية، من أبرز الشخصيات التي عملت على “أسلمة” الجيش، وتحويله من جيش وطني إلى قوات حزبية عقائدية تابعة للحركة الإسلامية، إذ كان كرتي، إلى جانب أحمد محمد علي الفششوية والزبير أحمد الحسن، على رأس المسؤولين عن تأسيس التنظيم العسكري الإسلامي داخل الأجهزة العسكرية والأمنية، وكان عملهم يتركز في إدخال أفراد موالين للحركة الإسلامية داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، مما عزز من سلطة الإسلاميين داخل هذه الأجهزة، وخصوصًا داخل الجيش، وجعلهم يتمتعون بولاء عسكري للتنظيم.

بعد سقوط نظام عمر البشير، ألقي القبض على معظم قيادات الحركة الإسلامية، باستثناء علي كرتي الذي حافظ على حريته بفضل نفوذه الواسع وسط ضباط الجيش والشرطة وجهاز المخابرات. استمر كرتي في توسيع سيطرته العسكرية بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، حيث أشرف على منع قادة الجيش من توقيع “الاتفاق الإطاري”، وكان له الدور الأكبر في التخطيط لحرب 15 أبريل 2023.

الخاتمة:

يعد هذا التقرير كشفًا لأبعاد تنامي دور “كتائب الظل” وتأثيرها على المشهد العسكري والسياسي الحالي. إذ يمثل ظهور هذه الكتائب ومشاركتها في الحرب ودعواتها المتكررة للتجنيد وسط المدنيين، سواء من الداخل أو الخارج، دليلًا على عمق الأزمة ومدى تحكم الإسلاميين في الجيش وأجهزة الدولة. كما يعكس عن رغبة الحركة الاسلامية في مواصلة الحرب وفرض الحلول العسكرية المستحيلة من أجل العودة إلى السلطة مرة أخرى، في بلد تغيرت خريطتها السياسية والعسكرية، يحتاج إلى ارادة وطنية ومؤسسة عسكرية موحدة تتجاوز الولاءات الحزبية تقوده إلى حكم مدني ديمقراطي مستدام، مما يلقي بظلال ثقيلة على مستقبل الأمن والاستقرار في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى