الفحص الأمني.. اضبط!!
تقرير: هبة محمود
لَم يَكن الفحص الأمني لشاغلي المناصب الدستورية على امتداد الأنظمة المُتعاقبة على حكم السودان، بتلك الأهمية التي اكتسبها مُؤخّراً كأحد أهم مطلوبات حكومة ثورة ديسمبر الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء الدكتور “عبد الله حمدوك”.
لَقد ظَلّ الفَحص الأمني طِوال العُقُود السَّابقة تأشيرة دُخُول أو جواز مرور نحو المَناصب الدستورية المُختلفة والمقاعد الوزارية، ويُعتبر بحسب خبراء أمنيين أحد أهم الملفات منذ استقلال السودان للمُرشّحين الذين يقع عليهم الاختيار في مُختلف الحكومات، لكن الأمر في ظِل تَعقيدات المشهد السِّياسي السُّوداني الآن، جعل هذا الإجراء يتأرجح بين المُزايدات السِّياسيَّة والضرورة الأمنية، سيما عقب تأجيل تَشكيل الحكومة 48 ساعة للمَزيد من التدقيق الأمني والتّشاوُر حول الأسماء.
دُون استهداف
ارتباطٌ مفاهيميٌّ (حَسّاسٌ) لمُسمى التدقيق والفحص الأمني في أذهان الشارع السوداني لسير المرشحين الذاتية، ببعض علامات الاستفهام حول الشخصيات نفسها، ولكن التدقيق الأمني بحسب مَا جَاء في تَعريفاته، فهو عَمل مُراجعة لبصمات واسم صَاحب المَلف والأشخاص المُرافقين معه لأجل التّأكُّد من خلوهم من الجرائم الجنائية الدولية، وليست له علاقة بموطن الأصل للشخص أو البلد المُقيم به لأن الفحص يتم للبصمات والاسم فقط، ولا يستهدف أحداً بعينه.
وفي ظل ذلك، يُؤكِّد الخبير الأمني الفريق الجيلي المصباح لـ(الصيحة)، أنّ الإجراء يأتي للتأكُّد من خلو صحيفة المرشح أو الشخص شاغل المنصب الدستوري من السوابق.
وبحسب المصباح، فإنّ التدقيق إجراءٌ معمولٌ به في كل الدول لتفادي المآزق في الشخصيات التي يقع عليها الاختيار، مُشيراً إلى أنّ أهمية الوظيفة هي التي تحتم عمل الفحص، ويتضمّن الفحص جميع الجوانب الشرطية ومُراجعة صحيفة السوابق، إلى جانب فحص السوابق الأخلاقية والمالية وسلوكيات الشخص العامّة والخاصّة، ويقول: رئيس الوزراء نفسه يتم فحصه، وأهمية الفحص لمُرشحي وزارته حتى يعرف مع مَن وكيف يتعامل، وأضاف: التأخير الآن في الإعلان عن الحكومة بسبب مَزيدٍ من المعلومات.
مُزايدات سياسية
بعض الأصوات تعالت حيال هذا الإجراء الأمني لحكومة ثورة ديسمبر الانتقالية سواء كان على صعيد مجلس السيادة أو مجلس الوزراء، واعتبرته مُزايدات سياسيّة نحو مُرشحي قِوى الحُرية والتّغيير، لعرقلة الأوضاع في ظل مَا تشهده البلاد من تَعقيداتٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ منذ سُقُوط النظام يتوجّب معه الإسراع في العمل لتفادي مَزيدٍ من التّفاقُم.
وفي ظل تعالي هذه الأصوات، يطلق البعض تَساؤلات حول إجراء الفحص الأمني على وزراء عهد الإنقاذ في السّابق، خَاصّةً إن الإعلان عن التشكيلة الحكومية في ظل نظام البشير كَان يخلو عن الحديث من الفحص الأمني.
ووفقاً للمحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس، فإن الأمر يخلو من أمر المُزايدات السياسية، مُؤكِّداً في حديثه لـ(الصيحة) أنّ الفحص مَعْمُولٌ به في كل الحكومات بما فيها النظام السابق، وشدّد على ضَرورة الفحص في الفترة المُقبلة على اعتبار أنها فترة شفافية يتوجّب معها وضع الشخص المناسب في مكانه المُناسب.
حقٌ أصيلٌ
وعرف السودان الفحص الأمني من عهد الاستقلال، وبحسب أبو خريس فإنّه إجراءٌ له أبعاد أخرى من المُمكن أن تُؤثِّر في الأمن القومي للبلاد، واعتبره حقاً أصيلاً في معرفة من يتولّون المناصب الرفيعة في البلاد، وطالب بضرورة إلحاق إقرار ذمة للفحص الأمني، ومعرفة مُمتلكات المرشح حتى يتم عمل مُقارنة قبل وبعد تَولِّيه المنصب.
وكان المُفكِّر الإسلامي الأستاذ المحبوب عبد السلام قد تناول في كتابه (الحركة الإسلامية دائرة السُّوء – خُيُوط الظلام)، التدقيق الأمني منذ عهد الاستقلال، سيما في منطقة الجنوب، حيث يعتبر الفحص الأمني بمثابة براءة للأسماء التي يَزمع وَضعها في المَنَاصب والوظائف من اللجان والمجالس إلى الوزارات.
ولاءٌ حزبيٌّ
من جانبه، قال الخبير الأمني الفريق حنفي عبد الله في حديثه لـ(الصيحة)، إنّ عملية الفحص الأمني تتم في كل الدول بلا استثناءٍ للقيادات الدّستورية في أيّة حكومة كَانت، ولكنها تَختلف من دولةٍ لأُخرى، ومن أنظمة لأُخرى بحدِّ قوله، وقال: في ظل الدول الديمقراطية يكون الفحص في إطار الشخص فقط ومعرفة ارتباطاته الاستخبارية وغيرها، أما في ظل الأنظمة الشمولية يكون الفحص أكثر تعقيداً يُنظر فيه للولاء الحزبي، وأضاف: في ظل حكومة الإنقاذ كان لا يتولى المناصب إلا من هو في إطار الحركة الإسلامية أو مُتعاطفاً معها، وزاد: الفحص الأمني للحكومة الانتقالية أمرٌ طبيعيٌّ كما ذكرت في كل الدول ولكل الأشخاص، حتى ان السيد الإمام الصادق المهدي في انتفاضة أبريل 85 عندما تم حل جهاز أمن الدولة، وُجدت ملفات تحوي كل تفاصيل حياته السلبية والإيجابية.