الكيزان والهزيمة المدوية في الفاو: أين الرجال؟
علي أحمد
بينما فاضت وسائل التواصل الاجتماعي – أمس وقبله – ببروباغندا الحرب التي تديرها الحركة الإسلامية السودانية (المؤتمر الوطني) بأن ثمة تباشير نصر تلوح في أفق ولايتي الجزيرة وسنار، كانت المعركة الفاصلة مشتعلة في منطقة (الفاو) التي تعتبر مدخلاً لولاية القضارف نحو ولايتي الجزيرة وسنار. لقد كانت معركة ضارية استخدمت فيها مليشيات الكيزان، التي تدّعي أنها الجيش السوداني، سلاح الطيران بكثافة غير مسبوقة، لكن تمكنت قوات الدعم السريع من الصمود ببسالة وشجاعة، حتى إذا ما انجلت طلعات الطيران وحان وقت قتال الرجال، هربت مليشيات الفلول وفرت كعادتها نحو مدينة القضارف، مخلفة وراءها عشرات القتلى والجرحى والأسلحة الخفيفة والثقيلة.
سقط في يد إعلام الكيزان وأبواقهم في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدؤوا يتحدثون عن صعوبة العمليات العسكرية في تلك المنطقة، وأن الأمر يحتاج وقتاً أطول، فيما كان (مجاهدوهم) يولّون الأدبار لاهثي الأنفاس نحو مدينة القضارف.
الأنباء المتواترة من محور الفاو – الخياري كشفت أن مليشيات الكيزان استخدمت سرباً مكوناً من ست طائرات مقاتلة ومسيرات ومدفعية ثقيلة، في خطتها الرامية إلى التقدّم نحو مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. إلا أن الأخيرة تمكنت من صد الهجوم وإلحاق خسائر فادحة بالمليشيات الإسلاموية الإرهابية ودحرها، ما أدى إلى فرارهم نحو القضارف كما أسلفنا.
عقب هذه الهزيمة هدأت أبواق المليشيات الكيزانية، فعمّ وسائل التواصل الاجتماعي هدوء مريب، قبل أن تخرج علينا تلك الأبواق بسردية أن (المعركة صعبة) وتحتاج إلى مزيد من الوقت. وبالفعل يحتاجون إلى هذا الوقت ليعيدوا الإرهابيين الجبناء من القضارف.
تسببت هزيمة الفاو في حالة إحباط شديد للكيزان وبلابستهم، خصوصاً أنهم تلقوا دعماً عسكرياً غير مسبوق من إيران، فظنوا بأنفسهم الظنون وأنهم لا محالة منتصرون، وسوف يصومون شهر رمضان المبارك في (ود مدني)، ثم العيد فالذي بعده، وهكذا من الترهات والأكاذيب التي يطلقها (الشاذ ياسر)، وجعلوها تبدو كالحقائق لكثرة تكرارها في وسائل التواصل ومنصات الإعلام التي يديرونها.
لا شك أن المليشيات الإرهابية الكيزانية كانت واثقة من أنها ستتقدم نحو ود مدني، وذلك لأن ما تلقته من أسلحة متطورة من الحرس الثوري الإيراني يجعلها تظن ذلك، وإن كان الانتصار في الحروب هو فعل يحققه الرجال على الأرض وليست المسيرات والطيران. فأين لهم بالرجال؟!
عندما اطلعت على تقرير صادر عن “مرصد النزاعات” الخميس 17 أكتوبر الجاري، وهو ائتلاف بحثي مدعوم من مكتب عمليات النزاع والاستقرار التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، يؤكد أن الحرس الثوري الإيراني تولى الإشراف على رحلات جوية إلى بورتسودان عبر رحلات جوية بطائرات شحن من طراز (EP-FAB) التي تمتلكها شركة “قشم فارس للطيران”، وفرت من خلالها أسلحة للمليشيات الكيزانية الإرهابية، شملت طائرات بدون طيار من نوع “مهاجر-6” ومحطات التحكم الأرضي، إضافة إلى مدفعية ومعدات عسكرية متطورة أخرى، ظننت أن الكيزان سيحسمون الحرب خلال أسابيع. لكن ما حدث لم يتجاوز تقدماً بسيطاً في جبل بمحور سنار، ساعدهم فيه الطيران المصري فانبسطوا (أوي)، إضافة إلى رأسي جسر الحلفايا والنيل الأبيض في محور العاصمة، حيث لم تتمكن المليشيات الإرهابية من تجاوز أسفل هذين الجسرين وأجزاء من حي الحلفايا بالخرطوم بحري. فيما نالت نصيبها من الهزائم في معارك الجيلي وحجر العسل، حيث تلقت هزائم نكراء يندى لها الجبين، تماماً مثلما حدث لها أمس بالفاو، فتوجهت نحو القضارف و(تممت) هناك. يا لها من انتصارات لا تُرى بالعين المجردة، كما قال الحزين عبد الفتاح البرهان.