الحركة الإسلامية.. نصف قرن من السقوط والعمالة

الحركة الإسلامية.. نصف قرن من السقوط والعمالة

بقلم: نجم الدين دريسة

جماعات الإسلام السياسي في السودان، وبعد أن أفرغوا كل جهودهم منذ سبعينيات القرن المنصرم لإحكام سيطرتهم على القوات المسلحة، لما يقارب نصف قرن من الزمان، ظلوا يعملون على ابتلاع الوطن وتحويله إلى ضيعة يتحكمون فيها، غير آبهين بالتنوع والاختلاف والتعدد الذي يزخر به الوطن. فظلوا يدبجون الشعارات الإسلاموية الجوفاء والفارغة المحتوى، وظنوا أنهم سيظلون يتحكمون في أمر الحكم الذي ألبسهم الله إياه، على حد زعمهم وخيالهم الفقير والمريض، إلى أن يتم أمر التسليم والتسلم لنبي الله عيسى. لكم أن تتخيلوا حجم الهوس الديني لحركة تخلقت ونشأت على خطاب مشحون بالغلو والتطرف وادعاء امتلاك الحق الإلهي.

ظلوا يتمشدقون بأنهم يمثلون ظل الله في الأرض، وبالتالي يملكون حقوقًا مقدسة بسبب ارتباطهم بالسماء، الأمر الذي يعطيهم الحق في ارتكاب كافة الانتهاكات ضد من يختلف معهم في الرأي. فمارسوا أسوأ أنواع الظلم والانتهاكات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وكل أشكال الفظائع والموبقات والمهلكات. للأسف، كل ذلك تحت غطاء الدين. فشوّهوا ديباجة الإسلام المشرقة والوضاءة، وحولوها إلى مؤسسة عقابية تنكّل بالآخرين، خيرها للأقلية وضيرها للأغلبية.

صنعوا أجهزة قمع مخصصة لقمع الآخر، فكانت أجهزتهم الأمنية والمخابراتية سيئة الذكر تمارس جرائم تجاوزت حد البشاعة. حيث بدأت تنكيلها بدق مسمار في رأس دكتور، وانتهت بإدخال خازوق في دبر معلم حتى الموت، ناهيك عن أشكال التصفيات الجسدية الأخرى التي طالت عددًا من الناشطين السياسيين من كل فئات المجتمع، والاغتيالات التي طالت عددًا من رموز المجتمع. بل وحتى بعض المنتسبين لتنظيمهم سيئ الذكر لم ينجوا من فرط العنف المادي والعذاب الغليظ.

ليس ذلك فحسب، بل عملوا على أدلجة كل المؤسسات المدنية والعسكرية، حيث ظلت الكلية الحربية لما يقارب الثلاثة عقود تخرج ضباطًا ذوي ارتباطات أيديولوجية وانتماء سياسي لتنظيم الإخوان المسلمين، بشكل انتقائي لا يخلو من البعد الجهوي والعنصري. فحولوا القوات المسلحة إلى مسخ مشوه، وصنعوا معها أذرع شعبية (الدفاع الشعبي والخدمة الإلزامية) ومنسقيات مدنية. ليس هذا فحسب، بل الشرطة أيضًا مضت على ذات النسق، وكذلك قيادات الخدمة الوطنية والسلك الدبلوماسي والصحف والبنوك والشركات الخاصة والعامة. لم يتركوا مؤسسة إلا أفسدوها واستبدلوا كوادرها المؤهلة بكوادر من ذوي الولاءات السياسية. والأدهى من ذلك، سياسة (فرق تسد) التي اتبعوها في تقسيم جميع الكيانات السياسية والأهلية والدينية والمجتمعية، وحوّلوا حرب الجنوب إلى حرب دينية أفرغوا فيها كثيرًا من الهوس والشطط والتطرف، وقدموا أسوأ نموذج لمحاربة الآخر الديني، حتى انفصل جزء عزيز جدًا من وطننا الحبيب. هذا بجانب الاستغلال البشع لموارد البلاد ومقدراتها، وتحويلها إلى منافع شخصية واستخدامها في حروب لا طائل من ورائها لشعوب الأطراف والهامش.

عبر هذه المؤسسة المسماة بالقوات المسلحة، والتي في حقيقتها تمثل الذراع العسكري لجماعات الإخوان، التي ارتبطت، ويا للمفارقة، بالدولة المصرية. حاربت إخوان مصر واحتضنت إخوان السودان، لأن ما يجمع بينهما هو الممارسات المشوهة تجاه الوطن ومحاولاتهما المتكررة لإجهاض الثورة الشعبية العارمة الباذخة والمجيدة. فعملوا على فض الاعتصام وارتكبوا مجزرة راح ضحيتها شباب غض، وانقلبوا على حكومة الثورة في أكتوبر 2021م، وأججوا حرب 15 أبريل 2023م، لأن كل همهم العودة إلى السلطة، حتى ولو كان الثمن إراقة كل الدماء.

طبيعي أن يتساءل الدكتور الأديب الطيب صالح مستنكرًا طرائقهم في الحكم حينما قال:

*”من هؤلاء؟ ومن أين أتوا؟!!!!!!!!”*

أسسوا فكرهم على الضلال والكذب والتلفيق والتدليس ونشر الأباطيل، وظلوا يكيلون السباب للحرية والتغيير وكل قوى الثورة، ويملؤون الفضاءات الإعلامية والأسافير ضجيجًا وبكائيات لن تجدي نفعًا.

فالجيش ليس جيش السودان، كما ظل يردد الثوار في محيط القيادة العامة *”الجيش جيش الكيزان”. وها هي الأيام تؤكد صدقية هذا الشعار. فالجيش المختطف والمخترق والمؤدلج صار هو العقبة الكأداء أمام خياراتنا في بناء المشروع المدني، حيث صادر خياراتنا في الحكم، واحتكر العنف ومارسه ضد شعوبنا، وظل ينهب مواردنا ومقدراتنا، بل حتى آثار الحضارة النوبية لم تسلم من عبث هذه المؤسسة الممتطاة بواسطة النظام الأخطبوطي البغيض الذي لم ولن يدرك أن الفرائض السياسية في الإسلام تقوم على أسس **”الحرية والمساواة والعدالة والشورى”. وهي ذات مضامين ثورة ديسمبر المجيدة التي رفعت شعارات **”حرية، سلام، وعدالة”*، وهي ماضية نحو غاياتها النبيلة بقوة دفع جعلت قوات التحرر الوطني، أشاوس الدعم السريع، تنحاز لها من أجل التغيير المفضي إلى تحقيق تطلعات وأشواق الشعب السوداني في إرساء دعائم دولة العدالة الاجتماعية والمشروع المدني الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى