الخرطوم: مروة كمال
يتفق خبراء اقتصاديون على أن وضع القطاع الاقتصادي في المرحلة الانتقالية الجديدة يحتاج إلى اختيار كفاءات ذات مهنية عالية وعلمية قادرة على وضع برامج وسياسات تضع الاقتصاد في مساره الصحيح، مطلوبات حددها رئيس الوزراء الجديد حمدوك الذي أقر بأن حجم التحديات كبير وعليهم تحقيق مطالب الشعب السوداني”، مؤكداً أن الحكومة السودانية المقبلة ستكون حكومة كفاءات وأن السودان بحاجة لمساعدات خارجية بمقدار 8 مليارات دولار خلال العامين المقبلين، لتغطية فاتورة الواردات واستعادة الثقة في العملة.
كفاءات وبرامج
محادثات مع أمريكا لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومع صندوق النقد الدولي لمناقشة إعادة هيكلة الديون” وأيضًا على صندوق النقد والبنك الدوليين مساعدة السودانيين عبر تفهم أولوياتهم بحسب حمدوك يرأها الأستاذ المشارك بجامعة المغتربين والخبير الاقتصادي د. محمد الناير لـ(الصيحة) أنها خطط قصيرة ومتوسطة المدى على الحكومة اتباعها، وقال إن الوضع الاقتصادي في المرحلة المقبلة يحتاج الى كفاءات وبرامج معاً، وقال: لا بد من وضع برامج قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، ويجب العمل فيها منذ الآن، وأضاف أن البرامج القصيرة المدى تكون إسعافية والعمل على حلول عاجلة.
فيما تبدأ البرامج الطويلة المدى في التنفيذ متزامنة مع قصيرة المدى، مشيراً إلى أن توفر الكفاءة في الشخص الذي يعين وزيراً مهمة جداً، ويجب أن يكون ذا كفاءة عالية جداً وتتوفر لديه الإمكانيات العلمية والعملية معاً، إضافة إلى أنه يتسم بالنزاهة والشفافية والكاريزما قادراً على وضع برامج يطبق أهدافها وفق نظام محدد، ويعمل في وجوده أو غيابه، وطالب بضرورة صنع كفاءات بديلة والبعد عن سياسة الرجل الواحد التي عانت منها البلاد كثيراً لتتمكن من سد الفجوة في غيابه، وفيما يتعلق بتوفر البنية التحتية لتطبيق البرامج يؤكد الناير أن هنالك أشياء لا تعتمد على البنية التحتية متمثلة في إعادة الثقة بين المصارف والعملاء وتطبيق نظام الدفع الإلكتروني بجانب رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وأيضاً تهريب الذهب، حيث إن بنك السودان صدر خلال العام الحالي 6,6 طن فقط من الذهب، أي ما يقدر بـ82 مليار دولار، لافتًا إلى أن الحد من تهريب الذهب عائده يكفي لتغطية العجز في ميزان المدفوعات، وأيضاً محاولة وجود آلية لجذب تحويلات المغتربين لا تحتاج إلى بنية تحتية، أما برامج الإنتاج والإنتاجية والبحث العلمي والمعرفة فتحتاج الى بنيات تحتية.
والثابت أن البلاد عاشت منذ أكثر ثمانية أشهر أوضاعاً اقتصادية متأزمة لم تكن بالجديدة، وكانت قد شهدت أزمة اقتصادية مستفحلة ظلت تحت قبضتها منذ أكثر من عامين، تدهورت فيها قيمة العملة الوطنية وسيطر السوق الموازي على النشاط الاقتصادي الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني بالأسواق، وأزمات متلاحقة في الخدمات من وقود وخبز وسيولة، حتى انتفض الشعب السوداني في 6 أبريل معلناً دخول البلاد في اعتصام أمام القيادة العامة للجيش مطالباً برحيل النظام، ودخلت البلاد في مرحلة جديدة ما بعد حكم الإنقاذ، احتبست الأنفاس مع مفاوضات قوى التغيير والحكومة والمجلس العسكري أبرز سماتها تصاعد الخلافات بشأن السلطة حتى توصل الطرفان إلى اتفاق نهائي لخروج البلاد من نفق الخلافات إلى بناء سودان جديد.
والثابت طيلة فترة المفاوضات أن الوضع الاقتصادي شهد اضطرابات كبيرة في شتى مجالاته بسبب تأثر الخلافات السياسية، ويأمل خبراء اقتصاديون أن يفضي الاتقاق الأخير بين الطرفين إلى استقرار اقتصادي يخرج البلاد من أزماتها.
عنق الزجاجة
ويتساءل الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي عن من الذي يضع البرامج ومن الذي ينفذها إن لم يكن هنالك أشخاص ذوو مهنية عالية ومعرفة بالاقتصاد ومتمرسون في جميع تخصصه، ذلك كان منعدماً في عهد النظام السابقـ وترك الامر لغير المختصين ما تسبب في إسقاطه، فعراب الاقتصاد في عهد الإنقاذ كان تخصصه ميكانيكي، وشدد على ضرورة مراعاة الاتجاهين باختيار أشخاص ذوي كفاءة عالية ومهنية عالية اقتصادياً لوضع السياسات والبرامج الصحيحة وليس التخبط الذي كان يحدث في وزارة المالية وبنك السودان المركزي في عهد الإنقاذ نتيجة لجهل القائمين على أمر الاقتصاد الذي أدى إلى انهيار الاقتصاد، وطالب بضرورة اختيار الكفاءات ذات المهنية العالية في الاقتصاد لديهم المعرفة والقدرة على وضع البرامج والسياسات التي تخرج البلاد من عنق الزجاجة لتصحيح الأخطاء السابقة وقيادة حرب صارمة وجدية على الفساد، وأكد أن توظيف الإمكانيات المتوفرة بالبلاد يمكن أن يخرجها إلى بر الأمان خلال ستة شهور.
ويقر الرمادي بأن البنيات التحتية في البلاد لطالما ظلت إحدى عقبات التنمية التي لم ينظر لها في العقود الماضية ولم تعالج، وباتت حملاً ثقيلاً على عاتق الحكومة الجديدة ينتظر منها أن تبدأ في معالجتها تدريجياً والاهتمام بها لتسيير أمور كثيرة عبر وضع سياسات راشدة.
ولإيقاف تصدير المنتجات كمواد خام على الحكومة الجديدة تأهيل الطرق المؤدية إلى مناطق الإنتاج وأن يعاد للسكة حديد سيرتها ومجدها باعتبار أن النقل عبرها أقل تكلفة، وكذلك النقل النهري الذي أهملته الحكومة السابقة، مشيراً إلى أن الحكومة تصرف مليارات الدولارات للنقل وأيضا ملياراً ونصف لنقل البضائع من وإلى البلاد،وطالب بمحاسبة من تسبب في بيع ثلاث بواخر للهند كخردة تعمل حالياً في عرض البحار لتحقيق العدالة وليس التشفي وضمان عدم تكراره مستقبلاً.
المرحلة الانتقالية والإصلاح الاقتصادي
ويشير رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد د. الفاتح عثمان لـ(الصيحة) أن اختيار الكفاءات مهم لتنفيذ برامج الإصلاح، لكن الكفاءات نفسها لن تنجح في الإصلاح بدون رؤية إصلاح واضحة متفق عليها يتم تنفيذها بشكل جماعي من كل الوزارات في تنسيق تام بينها جميعاً لا عبر جهود فردية متفرقة لبعض الوزراء السوبر، وأضاف أن الحكومة الانتقالية ورثت اقتصاداً معلولاً بسبب سياسات حكومية تشجع على الاستهلاك والاستيراد وتحارب الإنتاج والصادر بحجة أن الجمارك على الاستيراد تمول موازنة الحكومة بعكس الإنتاج والصادر وتم حرمان المحليات والولايات من عوائد الجمارك وترك لهم أمر الجباية من المنتجين والمصدرين فتمت مطاردتهم بغير رحمة والنتيجة اقتصاد غير منتج وغير قادر على إنتاج وظائف جديدة للشباب مما جعل البطالة وسط الشباب السوداني خاصة الخريجين منهم هي الأعلى في الإقليم.
ولإصلاح هذا الوضع البائس يقترح الفاتح عدة حلول أجملها في ضرورة إيقاف دعم الاستهلاك وتحويل الموارد كلها لدعم الإنتاج والصادر، والعمل على تحقيق السلام في السودان لتقليل الإنفاق الدفاعي، بجانب العمل على حل مشكلة الديون وفقاً لمبادرة الهيبيك، وتحديث قوى الإنتاج وتهيئة البنية التحتية لاستقبال استثمارات أجنبية مخصصة للصادر، إضافة الى وضع خطة عاجلة لتحقيق شبه اكتفاء ذاتي من السلع الأساسية لجهة أنها أسهل بكثير من محاولة زيادة الصادر في ظل ظروف السودان السياسية والمالية المعروفة، وبذلك يتحقق استقرار الاقتصاد وثبات قيمة الجنيه أمام الدولار، فضلاً عن وضع خطة عاجلة لإصلاح الصحة والتعليم والمواصلات العامة بحكم أنها تمثل الهم المشترك للسواد الأعظم من المواطنين، وأيضاً العمل الجاد على بناء اقتصاد يعتمد على السياحة لأن هذا هو الإجراء المناسب لظروف السودان الحالية مع التركيز على سياحة البحر الاحمر وسياحة السفاري في الدندر والردوم.
وأضاف أن البلاد تعاني من وجود أزمة حقيقية تتمثل في بلد يستهلك أكثر من مما ينتج ويدعم ويساعد الاستهلاك والاستيراد، مما يجعل التغيير الحقيقي يكمن في تحويل الدولة من مستهلكة إلى منتجة ومصدرة، عبر تغيير جوهري وجذري في الخدمة المدنية والعسكرية والحكومات الاتحادية والولايات، مشدداً على أهمية أن يكون الإنفاق الحكومي لدعم القوى لزيادة الإنتاج والخدمات الأساسية بدلاً عن الإنفاق على مخصصات الحكومة، وقال إن الحكومة تحتاج إلى ترتيب أوضاعها بشكل جيد ووضع خارطة عمل واضحة تراعي أوضاع السودان الصعبة، داعياً إلى ضرورة التنسيق مع القوى الغربية لإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب من أجل فتح ملف ديون السودان الخارجية وإعفائها، وشدد على الحكومة الجديدة ضرورة وضع السياسة في خدمة الاقتصاد وإدارة العلاقات الخارجية بما يساعد السودان في الخروج من أزمته الاقتصادية.
مجرد بندول
ما أشبه الليلة بالبارحة، نافذة نظر من خلالها الخبير الإقتصادي د. ناجي مصطفى الى الوضع الاقتصادي الحالي، وقال إن ذات الظروف الاقتصادية التي تمر بها مرحلة تكوين الحكومة الانتقالية ذاتها في مرحلة تكوين الحكومة الثالثة التي كونها الرئيس السابق عمر البشير، وأضاف أن الأزمة الاقتصادية السودانية لا يمكن علاجها عن طريق الخطط الإسعافية، وهذه حقيقة يدركها رئيس الوزراء الجديد، مبيناً أن الاقتصاد السوداني يعاني من مشكلات عميقة ومتجذرة وما لم يتم علاجها سوف تكون الحلول الإسعافية مجرد بندول، بالرغم إحداثها في السطح نوعاً من الانتعاش المؤقت، بيد أنه سوف يزول سريعاً وتعود الأوضاع إلى أسوأ مما كانت عليه، وأشار إلى أن إحدى المشكلات المتجذرة ما يسمى بمنظومة إنتاج الفقر التي تظهر في تصدير الصمغ العربي الخام بما يعادل المليار و200 مليون دولار ونسبة ما يهرب اكثر من ذلك حسب تقديرات بنك السودان المركزي، بيد أن التقديرات الخاصة تؤكد أن تصدير الصمغ العربي الخام لا يقل عن 2 مليار ونص دولار في العام، إحدى الدول المستوردة أمريكياً، وقال إن عمليات تذويب الصمغ العربي وإعادة تعبئته يضاعف سعره 8 مرات، لذلك يجب التخلص من منظومة إنتاج الفقر، مشيراً إلى أن البلاد تحتاج الى جلب التقنية ومع الزراعة تمارس الصناعة الزراعية التي ترتبط بالإنتاج الزراعي، ورهن تحقيق ذلك بنهضة الاقتصاد السوداني، لافتاً إلى أن المشكلة الكبيرة التي تعاني منها البلاد الظل الإداري المترهل، مؤكداً أن 80% من سبب الفقر الاقتصادي من الضرائب والجمارك، وقال إن الدين الداخلي كبير جداً يواجه الحكومة الجديدة، جازماً بعدم وجود الثقافة الاستهلاكية لدى الشعب مع تقافة الإنتاج.