Site icon صحيفة الصيحة

(كيكل) .. الرجل الذي هرب مرتين!

(كيكل) .. الرجل الذي هرب مرتين!

علي أحمد

للروائي البرازيلي جورج أمادو، رواية رائعة بعنوان “الرجل الذي مات مرتين”. فبعد سنوات من التسكع في حواري قاع المدينة بين المدمنين والمبتذلين، صعدت روح بطل الرواية “كونيكاس واتريل” أو “كُنكان العوام”، كما تُرجم بالعربية، إلى خالقها. قررت عائلته تشييع جثمانه بشكل لائق، لكن ندماءه أخذوا الجثمان واحتفوا به وتعاملوا معه كأنه حي يرزق. وأخذوه في رحلة بحرية، حيث غرق القارب فنجا الجميع عدا كُنكان العوام، الذي مات للمرة الثانية.

لا أهتم كثيراً لرجل (خيخة) مثل أبو عاقلة كيكل، فهو صناعة كيزانية برهانية بامتياز. لكني، والحق يُقال، كنت أعتقد أن فيه بعضاً من شجاعة (الهمباتة) وفراسة (البدو). ومن منا لا يُعجب بالفرسان والشجعان، حتى لو كانوا أعداءه؟!

في رواية أمادو، مات كُنكان مرتين، وفي رواية “حرب الكيزان” هرب كيكل مرتين حتى الآن، وخان أكثر من مرتين، وتم استخدامه كدمية لا قيمة لها مرات عديدة ومن جهات عديدة. فيا له من رجل لا يملك أي صفة حميدة، رجل منزوع القيم الأخلاقية. خان البرهان واستخباراته التي جاءت به من (فيافي) البطانة إبان المرحلة الانتقالية عقب الثورة، ليقمع به الثوار العُزَّل والمدنيين ويهدد به قوات الدعم السريع. فأسس له مليشيا (درع السودان)، لكنه ما إن بدأت الحرب حتى انضم بثلاثين رجلاً وعربتين إلى الدعم السريع، الذي استخدمه سياسياً وإعلامياً ولم يستخدمه ميدانياً إلا لأغراض (اللقطة الإعلامية). فهو لا يملك أي خبرة قتالية ولم يخض في حياته معركة واحدة. ورغم ذلك، هرب هروباً عكسياً للمرة الثانية، فوجد نفسه بين المطرقة والسندان عندما خاضت قوات الدعم السريع معركة (تمبول) الفاصلة صباح أمس الثلاثاء، حيث هاجمتها قوة من مليشيا (جيش البرهان) بقوات كبيرة، ضمنها مركبات تتبع لـ(كيكل). فما أن اشتدت المعركة وحمى الوطيس حتى هرب الرجل مطلقاً ساقيه للريح، مولياً الدُبر كعادته في الخيانة و(الخياسة)، تاركاً القوة التي عمدته مُرشداً لها لأقدارها، مطحونة بين رحى أشاوس الدعم السريع الذين ألحقوا بها هزيمة نكراء. فقتلوا منها (370) فرداً، ضمنهم قائد قطاع البطانة العميد أحمد شاع الدين وضباط آخرون، بينهم عقيد ومقدم وغيرها من الرتب الكبيرة. كما استولوا على أكثر من 60 عربة قتالية بكامل عتادها وأسلحة متنوعة وذخائر، وتم تدمير عدد كبير من المركبات وأسر عدد أكبر من الإرهابيين.

كل ذلك، فيما هرب (كيكل) منذ بداية المعركة، هرب وهو يرتجف خوفاً ويتصبب عرقاً، ويختبئ من قرية إلى قرية، ويعتصم بجبل ويأوى إلى جبل آخر مثل طريدة في مواجهة صيادها.

لا أعرف لماذا يحتفي الفلول بـ(كيكل)، فالدعم السريع كانت تستخدمه سياسياً. لكن ما فائدته الآن؟ خصوصاً بعد الهزيمة القاسية التي تعرضت لها مليشيات الإرهابيين في (تمبول) وشرق الجزيرة، وهروبها وأسر جنودها والاستيلاء على مركباتها وأسلحتها وقتل قائدها ونوابه، وهروب كيكل نفسه الذي أصبح عبئاً ثقيلاً على الجميع.

لقد أصبح الرجل نذير شؤم على أهل البطانة والجزيرة، أليس كذلك؟ لقد أصبح فائضاً عن الحاجة بعد أن أفشلت الدعم السريع الخطة التي كانت مليشيات الكيزان تديرها لاستلام مدينة ود مدني من خلال هذا (الخيخة) الذي لم يتمكن من تسليمهم تمبول، بل هرب واختفى في جبال سهل البطانة. فلم يحقق للمليشيات الإرهابية نصراً عسكرياً ولا إعلامياً ولا سياسياً. لقد فشلت خطتهم وصار تدبيرهم تدميرهم، وأصبح الناس ينظرون إلى قوات الدعم السريع بفخر، حتى أعداؤها يشهدون بقوتها وصمودها وشجاعة جنودها واستبسالهم.

الآن، بات كيكل عبئاً ثقيلاً على المليشيات الكيزانية. فهل يتم التخلص منه قريباً؟ سننتظر لنرى.

Exit mobile version