تسريبات الاستخبارات تكشف الوجه الحقيقي لحركات الارتزاق

تسريبات الاستخبارات تكشف الوجه الحقيقي لحركات الارتزاق

علي أحمد

لأول مرة أجد نفسي متفقاً مع الاستخبارات العسكرية في وصف قادة حركات الارتزاق المتحالفة مع ميليشيات الكيزان في الحرب الراهنة بأمراء الحرب، وذلك في مقال نُشر أمس باسم مستعار.

الصحفية التي سربت الاستخبارات المقال باسمها ذكرت أنها اطلعت على محضر اجتماع عُقد في منزل رئيس حركة العدل والمساواة ووزير مالية البرهان، الكوز المرتزق “جبريل إبراهيم”، حيث ضم الاجتماع بعض قادة حركات الارتزاق المسلحة. وقد اتفقت هذه العصابة على ضرورة انتزاع 50% من سلطة لم تأتِ بعد، من العصابة الكيزانية التي تقاتل معها.

وحددت حركات الارتزاق بعض الوزارات، مثل (الخارجية، الداخلية، المالية، المعادن)، بالإضافة إلى منصب رئيس الوزراء الانتقالي ومنصب النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، لتكون من نصيبها حصرياً.

وكشفت تسريبات الاستخبارات العسكرية أن من سمتهم بأمراء الحرب من قادة المرتزقة كانوا قد طالبوا قبل شهرين قائد ميليشيات الكيزان، عبد الفتاح البرهان، بمنحهم مطالب وصفتها بأنها واجبة النفاذ ومشروطة بالاستمرار في القتال أو العودة إلى مربع الحياد. وتشمل المطالب (1500) عربة كروزر، (4) مسيّرات، (1500) دوشكا، (1500) قرنوف، (1500) مدفع آر بي جي، و(300) بندقية قنص. وأشارت إلى أن البرهان لم يرد عليها حتى لحظة نشر التسريب.

التقرير أشار بوضوح إلى أن المرتزقين جبريل ومناوي تسلّما من البرهان مبلغ (72) مليون دولار أميركي نظير مشاركتهما في حرب الكيزان ضد الدعم السريع.

أليس ذلك كافياً لوصف هذه الحركات (العدل والمساواة وتحرير السودان – جناح مناوي على وجه الخصوص) التي تدّعي الكفاح والنضال من أجل حقوق مواطني دارفور المهمشين في السلطة والثروة، بالمرتزقة؟! وهي كذلك منذ نشأتها عام 2003، حيث كانت تقطع الطُرق وتنهب المواطنين والتجار حتى أطلق عليها سكان غرب السودان اسم (تورا بورا)، إذ كان النهب المسلح والارتزاق هما عقيدتها العسكرية الأساسية.

إن وصف الاستخبارات الكيزانية لقادة الحركات المتحالفة معها بأمراء الحرب وتسريبها لمحضر الاجتماع المشار إليه آنفاً، يعني أن الأمور بين الطرفين وصلت إلى حافة الهاوية، وأن العد التنازلي لحرب جديدة قد بدأ. وهذا ما حذّر منه كثيرون، وأنا ضمنهم، منذ وقت مبكر. وقلنا إن وقوع هذه الحرب مسألة وقت ليس إلا، كما أن الحرب بين الجيش الحقيقي من جهة وقيادته الكيزانية وميليشيات الحركة الإسلاموية من جهة أخرى واقعة في المرحلة التالية لا محالة ولا شك.

بالنسبة لي، فإن الحرب القادمة التي ظهرت ملامحها الآن في هذا التسريب، ستبدأ بضرب حركات الارتزاق من قبل الجيش وميليشيات الكيزان؛ تمهيداً لطردها نحو دارفور، حيث سيجد من سينجو منها من قصف الطيران نفسه وحيداً أمام قوات الدعم السريع التي ستحظى بوليمة سائغة وسهلة الهضم، دون تغطية من طيران محلي أو مجاور. وبعدها ستتم تسوية الأمور بين فصائل الكيزان المختلفة، حيث ستندلع معارك ضارية بين قيادة الجيش من جهة؛ وميليشيات البراء والعمل الخاص وهيئة العمليات والمستنفرين، وستكون معارك كسر عظم، إذ استولت هذه الميليشيات الإرهابية على الكثير من أسلحة الجيش بما في ذلك المسيّرات والأسلحة الثقيلة.

وعودة إلى حركات الارتزاق، فإن أمر التخلص منها كان مخططاً له قبل تخليها عن الحياد ومشاركتها في حرب (الندامة)، وأظنها – والله أعلم – كانت تتوقع ذلك، لذلك أخذت مقابلاً مالياً نظير هذه المشاركة. وإن كانت هذه عادتها الدائمة وعقيدتها الراسخة، فقد ظلت ولا تزال ترسل ميليشياتها إلى الحرب في ليبيا: (جبريل) مع طرابلس، و(مناوي) مع بنغازي!!

إن جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي يسترخصون أرواح أبناء دارفور ببيعهم بمقابل بخس في أسواق نخاسة الحروب الأهلية في السودان وخارجه. رجال بلا ضمير ولا وازع، بلا دين ولا حياء ولا أخلاق، المال أكبر همهم والارتزاق مبلغ علمهم، خانعون وتحت طلب من يدفع أكثر. ولو كان قائد الدعم السريع دفع لهم قبل البرهان، لكانوا يحاربون الآن في صفه، لكنه رفض، لأن من يقاتل من أجل المال لا يصمد في النزال وسيولي الأدبار.

أغرب ما في أمر التسريبات أن رد فعل الحركات لم يتجاوز اتهام المرتزق الآخر مصطفى تمبور بتسريب محضر الاجتماع إلى صحفية مغمورة تعمل لدى الاستخبارات بمقابل مالي بلغ بضعة (آلاف دولارات). وهذا موقف شديد التفاهة وعديم الجدوى، فكيف يدفع تمبور للصحفية فيما يعملان معاً مع الاستخبارات العسكرية؟ فالصحيح أن المقال الذي تضمن التسريبات كتبته الاستخبارات ونشرته باسم هذه الصحفية المجندة لديها نظير استخدام اسمها في (الأعمال القذرة)، وهذا لا يكلف آلاف الدولارات، إذ (100) جنيه تكفي لاستخدام الأسماء المغمورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى